ومن ذلك أيضاً في مضمار الإعجاز العلمي لفظ " الضلال " في قوله تعالى -في آية الدين -: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) ومن الملاحظ أن الآية الكريمة قد عدلت إلى (الضلال) كمقابل للتذّكر (تَضِلَّ ... فَتُذَكِّرَ) بدلاً عن (النسيان)؛ ليفيد معنى دقيقا خاصا؛ ومعلوم أن مفهوم (الضلال) في القرآن مفهوم واسع؛ فهو يكون أحياناً ضد الرشاد والهدى؛ ومنه قوله تعالى: (قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)، والضلال عن الشيء: الذهاب عنهومنه قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا) و الضَلال: موت الإنسان فيدفن حتى يصير تراباً ويختلط بالأرض فلا يتبيَّن شيء من خَلْقه؛ ومنه قوله تعالى: (وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ)؛ ومعناه أَإِذا متنا وصرنا ترابا وعظاما في الأَرض فلم يتبين شيء من خَلقنا أما الضلال في الشهادة فهو حالة مختلفة نوعا ما عن النسيان وإن كان بقاربه؛ يقول القرطبي: (الضلال عن الشهادة إنما هو نسيان جزء منها وذكر جزء ويبقى المرء حيران بين ذلك ضالا، ومن نسي الشهادة جملة فليس يقال: ضل فيها) وهذا الضلال المقارب في معناه للنسيان هو بمعنى الالتباس الذهني؛ ومنه قوله تعالى: (لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى)؛والألفاظ لا تترادف، وسياق الآية يثبت أن الضلال الذهني غير النسيان؛ وقد أجرى أحد الباحثين بجامعة الجزيرة دراسة سيكولوجية مطولة في قوله تعالى (أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) فأثبتت الدراسة الآتي:

1 - هنالك فروق جوهرية بين الذكر والأنثى في عملية التذكر؛ فربما فاق الرجل المرأة في بعض الحالات وفاقته في أخرى.

2 - في الأرقام بالذات (والدين أرقام) إما أن يتذكر الرجل الأرقام بدقة أو يعترف بالنسيان، وليس هنالك من موقف ثالث كما هو عند المرأة التي قد تستبدل رقماً بآخر في بعض الأحيان ثم تصر عليه؛ وهي حالة الالتباس والاختلاط الذهني التي وصفها القرآن بـ"الضلال"؛ وهي ليست تذكرا ولا نسيانا؛ وقد أرجع الباحث ذلك إلى فروق في الخلايا الدماغية لدى كل من الرجل والمرأة

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[12 May 2009, 09:48 م]ـ

3/ عدم مخالفة المقاصد العامة:

جاء القرآن الكريم والسنة المطهرة بأحكام وأوامر جليلة؛ وقد عكف الفقهاء والأصوليون على دراسة هذه الأحكام قروناً طويلة؛ فتبين لهم _ بعد طول دراسة _ أن هذه الأحكام مبنية على أسباب وعلل ومصالح؛ فقاموا باستقراء علل الأحكام هذه؛ فتجلّت لهم المقاصد العامة للشريعة الإسلامية؛ وهي على الأشهر كالتالي: "حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ النسل وحفظ المال"ولهذا فإن كل حكم تم استخراجه بالقياس أو الاجتهاد فخالف هذه الأصول الكلية فهو مردود، إذ أن هذه الأصول الكلية تمثل الإطار العام للشريعة؛ فما خرج عن ذلك الإطار فليس جزءً من هذه الشريعة.

وقد وجد العلماء أن هنالك أحاديث موضوعة مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم تخالف مقاصد الشريعة؛ ولعل أظهر دليل على كونها موضوعة مكذوبة هو هذه المخالفة؛ وهي مخالفة لأكثرية أحكام القرآن والسنة؛ ومن ذلك على سبيل المثال ما جاء عن الزهد الشديد في البنين ببعض الأزمنة؛ نحو: (لو ربى أحدكم جرو كلب خير له من أن يربي ولداً) الذي ذهب بدر الدين العيني إلى أنه لا التفات إليه لأنه موضوع، فلا يمكن مثلاً أن يحاول أحد من الباحثين في الإعجاز العلمي أن يأخذ شيئاً من هذه الأحاديث؛ فيربط مثلاً بينها وبين نظرية مالتوس أو أن يفهم قوله تعالى: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ) وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) فهماً جزئياً مغلوطاً فيزهّد في البنين كما زهّد مالتوس، وكل ذلك مردود؛ فالحديث موضوع باطل وفهمه للآيات

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015