ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[12 May 2009, 09:45 م]ـ

أ- التناسب الداخلي:-

هذا النوع من التناسب شديد الأهمية في مضمار الإعجاز العلمي، إذ به تدرك المعاني بشكل سليم وبه ينضبط الاستنباط من القرآن، وينقسم هذا النوع من التناسب إلى تناسب المعاني الجزئية مع المقاصد العامة من جانب وإلى تناسب المعاني القرآنية مع بعضها من جانب آخر وإلى تناسب المعنى المستنبط من القرآن في الإعجاز العلمي مع النظم والسياق من جانب ثالث، وهذه الأشكال من التناسب منها ما يشكل إطاراً عاماً ومنها ما هو أقل عمومية، وكلها شديدة الأهمية في تناول الإعجاز العلمي؛ إذ أن إهمالها يؤدي – وبشكل مباشر – إلى الخطأ في الاستنباط والاستدلال، ولا شك أن الخطأ الناشئ من عدم مراعاة هذا التناسب من شأنه أن يجهض قضية الإعجاز العلمي في ذلك الموضع ويهدمها من أساسها، ولهذا كان هذا التناسب - بأشكاله المختلفة – من الأهمية بمكان في مضمار دراسة الإعجاز العلمي، وتفصيل ذلك كالآتي:-

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[12 May 2009, 09:46 م]ـ

1/مراعاة النظم والسياق:-

إن من أهم الأمور في دراسة الإعجاز العلمي النظر إلى السياقات والنظوم؛ إذ أن للسياق دوراً كبيراً وأثراً واضحاً في تحديد الدلالات ومعرفة المعاني وإدراك المقاصد، وقد ذكر العلماء أن القرآن قد نظمت مفرداته نظماً محكماً لا يلحقه معه خلل، ولهذا فإن هذا الترابط يشير وبصورة واضحة إلى المعاني الخفية، إذ أن أكثر أسرار القرآن مودعة في الترتيبات والروابط كما ذكر الرازي، وقد اعتني الصحابة والتابعون بهذه السياقات عناية كبيرة؛ فعن عبد الله بن مسلم بن يسار عن أبيه قال: (إذا حدثت عن الله حديثا فقف حتى تنظر ما قبله وما بعده) وقال ابن مسعود: (إذا سأل أحدكم صاحبه: كيف يقرا آية كذا وكذا؟ فليسأله عما قبلها وعما بعدها) ويقول الشيخ ولي الدين الملوي: (والذي ينبغي في كل آية أن يبحث أول كل شيء عن كونها مكملة لما قبلها أو مستقلة، ثم المستقلة ما وجه مناسبتها لما قبلها؛ ففي ذلك علم جم) وذكر الجاحظ أن أعرابياً سمع رجلاً - في زمان عمر بن الخطاب - يقرأ خطأ: "فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله غفور رحيم"فقال الأعرابي: لا يكون؛ وذلك لعدم المناسبة بين الجملة الأولى والثانية؛ إذ أن الضلال بعد معرفة الهدى لا يقابل بالغفران والرحمة، والصحيح في القرآن هو:) فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (

ولما كان الأمر كذلك فقد اتضح أن السياق من أهم الضوابط في قبول الإعجاز العلمي وغيره، ومعلوم أن المعنى المستنبط من القرآن في الإعجاز العلمي إذا لم يحتمله السياق فإنه يصبح باطلاً وإن كانت الحقيقة العلمية صحيحة؛ وما ذلك إلا لأن السياق لا يدل عليها؛ ومن أمثلة ذلك ما ذهب إليه بعضهم من أن قوله تعالى: (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ) يدل على تنبؤ القرآن بوسائل الاتصال الحديثة؛ إذ صار الإنسان يتصل مع غيره من مكان بعيد بواسطة الهاتف وأن يسمع الإذاعة والتلفاز من دولة بعيدة، وهذا الادعاء يكذبه سياق الآية؛ إذ أنها معطوفة على ما قبلها؛ وهو قوله تعالى: (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِن قَبْلُ) فهو كلام عن الكفار يوم الفزع الأكبر، وتوضح ذلك الآيتان اللتان قبلها؛ قال تعالى (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ) إذن معنى القذف بالغيب ليس وسائل الاتصال الحديثة؛ وإنما معناه الرمي بالظن؛ ومثله قوله تعالى في سورة الكهف: (رَجْمًا بِالْغَيْبِ) وقد كان الكفار يرمون بالظن في الدنيا؛ فيقولون: لا بعث ولا نشور

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015