ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[09 May 2009, 05:04 م]ـ

تكامل الكون والوحي في مصدريةً المعرفة

مقدمة

كان خلق الكون دلالة على بديع صنع الله تعالى وعظيم قدرته وقد جعل الله للإنسان من الحواس المدركة ما يمكنه من معرفة هذا الكون المحسوس، ولهذا قال تعالى:? قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ? أي جعل لكم من الوسائل ما تدركون به المسموعات والمبصرات والمعقولات.

ولما كان الأمر كذلك فقد كان الكون مصدراً للمعرفة ماثلاً بين يدي الناس تناله بالمعرفة حواسهم التي لا يتفاوتون فيها ولا يتفاضلون، ولهذا لم ينازع في مصدريته للمعرفة مسلم ولا كافر ولا علماني؛ اللهم إلا بعض النزعات الطفيفة في الفكر الغربي دحضتها النزعة المادة التجريبية كما سبق.

وقد دعا القرآن العظيم للسير في الأرض والنظر في الكون والتفكر في المخلوقات سواء كانت هذه المخلوقات في الأرض أو في السماء قال تعالى:? قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ?

ولما كان الأمر كذلك فقد كانت مصادر المعرفة في الإسلام منحصرة في أمرين هما:

1 - مصدر تشارك في الاعتراف به المعرفة العلمانية؛ وهو الكون الذي لا نزاع في مصدريته.

2 - مصدر تفرد به الإسلام عن المعرفة العلمانية وهو وحي السماء الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ولأجل ذلك ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن مصادر العلم أمران هما:

الحس "وهو المعنى الذي يشار به إلى إدراك الكون المحسوس ".

الخبر " ويقصد به وحي السماء"

وقبل التوغل في خصائص هذا الكون ينبغي النظر في مفهومه عند العلماء وهو على النحو التالي:

أولاً: مفهوم الكون:

1 - المعنى اللغوي للكون:

الكون مشتق من الفعل " كان" في حالة كونه فعلاً تاماً، تقول أعرفه منذ كان أي منذ خلق وبهذا المعنى يكون المقصود بالكون هو كل ما خلق الله تعالى وأحدث

2 - المعنى الاصطلاحي للكون:

مفهوم الكون عند علماء التأصيل باعتباره مصدراً للمعرفة يطلق على عالم الحس الذي يمكن إدراكه بالحواس البشرية الخمس وقد أطلق على الكون أسماء متعددة منها:

أ - عالم الحس:

ويراد به الكون الذي يمكن إدراكه بالحواس- كما سبق- ويطلق هذا المعنى في مقابل المعنوي والغيبي.

ب - عالم التجربة "المختبر" أو العالم التجريبي:

العالم التجريبي منسوب إلى التجربة التي هي ملاحظة العلماء الحسية للظواهر الطبيعية في شروط معينة، ويسمى المنهج الذي يدرك به هذا العالم بالمنهج التجريبي الذي يراد به الطريقة المشتملة على الملاحظة والتصنيف والتجريب والتحقيق؛ ويطلق اسم عالم المختبر في مقابل عالم الخبر الذي هو الوحي.

جـ- عالم الشهادة:

يطلق على الكون عالم الشهادة؛ وذلك لأنّ البصر المشاهد أقوى الحواس؛ ولهذا غلب عليها في هذه التسمية، وعالم الشهادة مقابل لعالم الغيب وهي تسمية قرآنية كما هو معروف؛ يقول تعالى عن نفسه:

"عالم الغيب والشهادة" وذلك في عشرة مواضع من القرآن العظيم

د- كتاب الله المنظور:

ويطلق هذا الاسم على الكون في مقابل كتاب الله المسطور الذي هو الوحي يقول تعالى: ? وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ ?

فيكون الأمر في ذلك على قسمين كما هو واضح؛ هما:

• كتاب الله المنظور "الكون".

• كتاب الله المسطور "الوحي".

ثانياً: خصائص الكون:

إنّ للكون الذي هو مصدر أصيل للمعرفة سواء في النظرة الإسلامية أو العلمانية خصائص؛ وهذه الخصائص منها ما تتفق فيه النظرتان ومنها ما تنفرد به النظرة الإسلامية، ولأجل ذلك يجب بيان الرؤية الإسلامية في هذه الخصائص مع مقارنة النظرة العلمانية بها، وتفصيل ذلك كالأتي:

1 - مخلوقية الكون:

من الأمور الثابتة عند الناس جميعهم مؤمنهم وكافرهم أنّ الله تعالى هو خالق الكون بكل ما فيه؛وليس هنالك من شيء لا يتعلق به خلقه؛ لأن كمال قدرته وعزته يبطل ذلك

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015