*رغم أنّ الفكر الغربي قد استبعد المعرفة الغيبية التي مصدرها الوحي وحدد مفهوم العلم تحديداً صارماً - إلا أنّ علماء الطبيعيات في تشكيل نظرياتهم قد وقعوا في مفارقات منهجية؛ حين لم يتحرجوا من اللجوء إلى غيبيات متخيلة تساعد على فهم المشاهد والمحسوس، وقد مثّل البروفسير محجوب عبيد لاستعانة علماء الطبيعيات بغيبيات متخيلة بفرضية وجود جسيم النيوترون التي لوحظ فيها أن قدراً معيناً من الطاقة يختفي في بعض التفاعلات النووية دون سبب معلوم وللاحتفاظ بمبدأ "حفظ الطاقة" قدمت فرضية بوجود شيء غيبي ما يظهر عند حدوث هذه التفاعلات يختفي حاملاً معه الطاقة المفقودة وبتكرار التجارب حددت له خصائص عديدة توضح متى يتوقع ظهوره ومتى لا يتوقع وأصبحت هذه الفرضية متسقة مع كل التجارب وتوخذ في الاعتبار على أنها حقيقة لمدة عشرين عاماً قبل اكتشاف النيوترون تجريبياً وقد مثل البروفسير بأمور غيبية كثيرة يقتضيها التوفيق بين التجربة والمبدأ النظري

ولما كان الأمر كما سبق فليس من المعقول إطلاقاً أن ترفض الحقائق الغيبية التي جاء بها الوحي وكانت من الصدق بحيث لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها؛ ثم تقبل خيالات العلماء وتصوراتهم التي لا يمكن التحقق من صدقها تجريبياً.

ب. حاجة العلوم الاجتماعية والإنسانية للوحي:

إذا كانت العلوم الطبيعية - رغم طبيعتها المادية ورغم دقتها وصحة جزئياتها - قد احتيج فيها إلى معطيات الوحي؛ فإنّ العلوم الاجتماعية والإنسانية لهي أكثر حاجة للوحي من تلك العلوم الطبيعية؛ وتتمثل هذه الحاجة في أمور كثيرة منها:

• إنّ العلوم الإنسانية والاجتماعية ذات طبيعة تختلف كل الاختلاف عن تلك العلوم الطبيعية؛ ولأجل ذلك يكثر فيها من التنظير ما لا يكثر في العلوم الطبيعية الأمر الذي يجعل الإنسان أكثر تدخلاً فيها وأكثر تثبيتاً للأمور الذاتية

• إنّ الصفة العلمية – حسب المفهوم الغربي – في العلوم الاجتماعية والإنسانية مهتزة إلى حد كبير إذ أن موادها غير قابلة للتجريب والتحقق العلمي الأمر الذي يتيح تدخل الأهواء والخيالات البشرية في تفسير الظواهر تدخلاً مباشراً.

• إنّ العلوم الاجتماعية والإنسانية لما كانت ذات طبيعة قيمية فقد احتلت المكانة السامية التي كان يحتلها وحي السماء في إرشاد الناس وتوجيههم لما يصلحهم دون الاستعانة بمعطيات هذا الوحي الأمر الذي جعلها تتخبط تخبطاً شديداً دون أن تصل إلى شيء مقبول.

• إذا كان الوحي يساهم مساهمة فاعلة في تشكيل الرؤى الكلية للعلوم الطبيعية وإذا افترضنا أنه لا يمكن دخوله في جزئيات هذه العلوم ذات الطبيعة المادية؛ حيث يمكن إدراك هذه الجزئيات من الواقع المادي المحسوس مباشرة في أكثر الأحيان - فإن هذا الافتراض في العلوم الاجتماعية والإنسانية غير مقبول ابتداء؛ إذ أن هذه العلوم تحتاج إلى الوحي ليس في تشكيل الرؤى الكلية ولا في بلورة النظريات فحسب بل يتعدى الأمر ذلك إلى جزئيات هذه العلوم وتفاصيلها الدقيقة أيضاً، إذ أن طبيعة بنائها يقتضي ذلك.

• لما لم تجد العلوم الاجتماعية والإنسانية بعد استبعاد الوحي من سلطة مرجعية ترتكز عليها فقد اتخذت هذه العلوم – من العلوم الطبيعية سلطة مرجعية تحاول تقليدها في كل شيء؛ رغم الاختلاف الكبير بين الطبائع في كلا النوعين من العلوم، ولأجل ذلك ظهرت المفارقة الكبرى في نظريات هذه العلوم، الأمر الذي يستوجب إعادة الوحي إلى مضمار المعرفة حتى يخرج هذه العلوم من مآزقها المعرفية.

• لما احتلت هذه العلوم الاجتماعية والإنسانية المكانة العالية التي كان يحتلها الوحي في توجيه الناس وإرشادهم وأصبحت بديلاً له رغم عدم اعترافها بمعطياته - كانت ثمرة ذلك أنها لم تبن نفسها بناء صحيحاً ولا اتخذت سلطة مرجعية مناسبة ولا قدمت حلولاً معقولة للمشكلات خاصة مشكلات العالم الإسلامي المعاصر.

الخلاصة:

- إنّ الوحي يشمل القرءان والسنة.

- إلهية المصدر من أهم خصائص الوحي.

- من خصائص الوحي الإعجاز ويتعلق إعجاز القرءان باللفظ والمعنى والنظم بينما يتعلق إعجاز السنة بالمعنى فقط.

- الكتب السماوية تشارك القرءان في كونها جميعاً صادرة من الله ومعجزة في أخبارها عن الغيوب.

- الوحي الإلهي موافق لأحكام العقل الصريح.

- جاء الوحي بأسلوب متفرد لا يشابهه فيه أسلوب آخر.

- جاء الوحي صالحاً لكل الأزمنة والأمكنة.

- إنّ نظام التعليم عندنا اليوم باعتبار أننا متلقين للعلم من الغرب قد ساهم مساهمة فاعلة في إبعاد الوحي كمصدر للمعرفة؟.

- الوحي مصدر للمعرفة عند المسلمين إلا أنهم لا يتعاملون مع هذه الحقيقة علمياً وواقعياً.

- إنّ نظام التعليم الديني عندنا اليوم يعتمد على التلقي وحفظ الجزئيات دون التعرف على أسس جهود العلماء السابقين ومناهجهم.

- إنّ نظام التعليم الدنيوي قد نشأ من تقليد مناهج الغرب فأصبح المتعلمون يتعاملون مع معطيات العلوم الوافدة كمسلَّمات لا تقبل النقاش دون معرفة بخلفيات هذه المعطيات.

- أخذ العالم الإسلامي من الغرب علوماً اجتماعية وإنسانية لم تنبع من ذاته ولم تنشأ حلاً لمشكلاته الخاصة.

- إذا كان الغرب قد استبعد الدين لأنه خالف معطيات العلم وعالم الحس لكون الأصل الصحيح للمسيحية قد حرف، فإن الوحي في الإسلام قد ظل محفوظاً كما نزل من جهة، ثم أنه لا يناقض عالم الحس ولا يعارضه من جهة أخرى، بل إن الأمرين في الإسلام متوافقان كل التوافق.

- فقد العلم باستبعاده للوحي أهم مصدر من مصادره ولهذا دخلت العلوم الخاصة الاجتماعية والإنسانية منها في أزمة خانقة.

- تحتاج العلوم الطبيعية إلي الوحي في بلورة الرؤى الكلية فضلاً عن المرامي والأهداف وصياغة الفروض.

- إذا كانت العلوم الطبيعية تحتاج إلي الوحي فإنّ العلوم الإنسانية والاجتماعية أكثر حاجة للوحي، إذ إنّ طبيعة العلوم الإنسانية والاجتماعية قيمية ولهذا يكثر فيها التنظير.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015