الذين لا يعلمون غير العفو ولا يجازون عن سيئة بسيئة مثلها .. ويمكن أن نستنتج هنا (ببساطة شديدة) أن المسلم الكامل هو الذي يعرف مقداراً معتدلاً للأمرين معاً .. هو الذي يذهب إلى القصاص ويطلبه في موضعه وهو الذي يسمح بالعفو ويمنحه في موضع استحقاقه ... ".

هذا الأسلوب عند بيجوفيتش هو الأسلوب الأمثل في فهم القرآن وتطبيقه .. وهو أفضل وسيلة يمكن أن نرتقي بها إلى مستوى الفهم الكامل لحقيقة الإسلام وجوهر رسالته .. وفي الزمن الذي نحن فيه اليوم هناك أناس بل مؤسسات إعلامية كبرى ومؤسسات دينية دعويّة وسياسية تجعل كل رسالتها و تكرّس كل جهدها للترويج لفكرة السلام والسماحة والتعاون على البر والتقوى مع الآخرين من غير المسلمين دون اعتبار لموقفهم منا .. وهل هو موقف سلام أو موقف حرب وعدوان .. إلى آخر هذه الدعاوى التي تصوّر الإسلام وكأنه الدين الذي يدعو الإنسان إلى أن يدير خده الأيمن لمن ضربه على خده الأيسر .. فإذا لم يشْفِه ذلك استدار ليسلّمه قفاه الذي اعتاد على الصفع واستمرأه .. ثم يدعو لضاربه بالهداية وطول العمر ... !!

وهناك قلّة من الناس لا يرون في الإسلام إلا العنف والسيف في التعامل مع الأعداء والمخالفين في العقيدة على السواء .. ويزعمون أن آية السيف (كما يسمونها) قد نسخت كل الآيات الأخرى التي تأمر بالبر والقسط للذين لم يقاتلوا ولم يعتدوا ولم يخرجوا المسلمين من ديارهم ... وفي مناخ التشدد والتنطّع من كلا الجانبين تضيع الحقيقة ويلتبس على الناس الأمر فيتساءلون: أين الحقيقة .. ولاشك أن الإسلام يدعو إلى السلام كأساس للتعامل بين البشر .. وهو دين تعاون وسماحة لا ترتقي إليها كل ما في هذا العالم من سماحة مُدّعاة .. هذا كله حق لا لبس فيه ولا جدال .. ولكنه ليس كل الحق ..

لأن الدين الذي يؤكد على هذه القيم الرفيعة يعلم مُوحيه سبحانه وتعالى أن هناك في هذا العالم أشراراً طامعين معتدين ومجرمين عتاة لا يرتدّون عن عدوانهم و لا يرتدعون إلا باستخدام العنف والقوة .. ومن ثمّ شرع القتال للدفاع عن النفس .. وشرع الاستعداد للقتال دائماً حتى يرتدع الطغاة الطامعين فلا يفكرون في العدوان على المسلمين مرة أخرى .. {أُذن للذين يُقاتَلون بأنهم ظُُلِموا وإِن الله على نصرهم لقدير} (الحج 39) ... والذين يقاومون اليوم العدوان الظالم على أوطانهم في فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان، وغيرها من بلاد العالم المسلم .. يقفون في قلب الإسلام الصحيح ... أما أعداء المقاومة من أنصار (أُسلو) والذين يستجدون الإسرائيليين لمجرد الجلوس معهم على مائدة مفاوضات [للمنظرة] وأخذ الصور وتبادل القبلات ليقال إن هناك عملية سلام مستمرّة بينما القوات الصهيونية تواصل العدوان على الفلسطينيين واغتيال أرضهم بنشر المستوطنات وتهديد القدس العربية وفرض الحصار والتجويع وتمديد الجدار العازل في قلب فلسطين، فموقعهم في الإسلام مشكوك فيه، فليبحثوا لأنفسهم عن موقع آخر ... !!

(2)

ينتقل علي عزت بيجوفيتش إلى النقطة الثانية في تأمّلاته حول الطريقة المُثلى لقراءة القرآن حيث يوصي بالمداومة على التلاوة، مع فواصل زمنية لازمة للتفكير والتأمل فيما تمت قراءته من قبل .. ويرى أن هذا أضمن طريقة لاكتشاف ما يسميه هو (بإشعاع النور القرآني) .. إذ يكتشف القارئ المداوم على التلاوة أن هناك شيئاً جديداً في كل قراءة جديدة .. وهنا ينبّهنا بيجوفيتش إلى حقيقة أن القرآن نفسه لم يتغيّر ولكن شيئاً آخر هو الذي تغير على حدّ قوله: " تغيّرنا نحن .. أو تغيرت الظروف المحيطة بنا .. أو تغير العالم الذي نعيش فيه " فهو يرى أن هذه التغيّرات هي التي مكّنتنا من الغوص في أعماق جديدة كنّا قد غفلنا عنها أثناء قراءاتنا السابقة للقرآن الكريم .. ثم نشعر فجأة بأصداء تتردد في قلوبنا لآيات لم نركز على معانيها فيما سبق .. يقول علي عزت بهذا الصدد: " يمكن لكل واحد منا أن يتأكد بنفسه من هذا المعنى بمداومته على تلاوة القرآن" ثم يضرب أمثلة لتأكيد هذه الفكرة من تجربته الشخصية حيث يقول:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015