(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) ومما يدخل في جهادهم الصدع بكلمة الحق دون الخوف من لومة لائم. نقل الطبري في التفسير عن ابن عباس رضي الله عنه "في قوله: {وجاهدوا في الله حق جهاده} لا تخافوا في الله لومة لائم. وقال آخرون: معنى ذلك: اعملوا بالحق حق عمله" وقال: "وقوله: {هو اجتباكم} يقول: هو اختاركم لدينه , واصطفاكم لحرب أعدائه والجهاد في سبيله"

ـ الهجرة ـ في حالة عدم القدرةـ من الأرض التي لا يستطيع فيها إظهار الدين.

(وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)

قال الطبري رحمه الله: "وقال إبراهيم: إني مهاجر دار قومي إلى ربي إلى الشام."

قال الشيخ حمد بن عتيق في الدرر السنية عند كلامه على قوله تعالى: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه…) الممتحنة: 4 الآية، ومعنى قوله: {بدا} أي ظهر وبان والمراد التصريح باستمرار العداوة والبغضاء لمن يوحد ربّه، فمن حقق ذلك علماً وعملاً وصرح به حتى يعلمه منه أهل بلده لم تجب عليه الهجرة من أي بلد كان، وأما من لم يكن كذلك بل ظن أنه إذا تُرك يصلي ويصوم ويحج سقطت عنه الهجرة، فهذا من الجهل بالدين وغفول عن زبدة رسالة المرسلين…) اهـ. ص199 من جزء الجهاد

وقال أيضاً في الدرر السنية: (وإظهار الدين: تكفيرهم وعيب دينهم والطعن عليهم والبراءة منهم والتحفظ من موادتهم والركون إليهم واعتزالهم، وليس فعل الصلوات فقط إظهاراً للدين) أهـ. من جزء الجهاد ص196.

وقال الشيخ سليمان بن سحمان في ديوان عقود الجواهر المنضدة الحسان ص76، 77: -

إظهار هذا الدين تصريح لهم ... بالكفر إذْْ هم معشر كفار

وعداوة تبدو وبغض ظاهر ... يا للعقول أما لكم أفكار

هذا وليس القلب كاف بغضه ... والحب منه وما هو المعيار

لكنما المعيار أن تأتي به ... جهراً وتصريحاً لهم وجهار

وقال أيضا:

نعم لو صدقت الله فيما زعمته ... لعاديت من بالله ويحك يكفر

وواليت أهل الحق سراً وجهرة ... ولما تهاجيهم وللكفر تنصر

فما كل من قد قال ما قلت مسلم ... ولكن بأشراط هنالك تذكر

مباينة الكفار في كل موطن ... بذا جاءنا النص الصحيح المقرر

وتصدع بالتوحيد بين ظهورهم ... وتدعوهموا سراً لذاك وتجهر

فهذا هو الدين الحنيفي والهدى ... وملة إبراهيم لو كنت تشعر

وقال عند آية الممتحنة أيضاً:

(فهذه هي ملة إبراهيم التي قال الله فيها: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه} [البقرة: 130]، فعلى المسلم أن يعادي أعداء الله ويظهر عداوتهم ويتباعد عنهم كل التباعد وأن لا يواليهم ولا يعاشرهم ولا يخالطهم ... ) أهـ ص221، جزء الجهاد - الدرر السنية.

فهذه ملة إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ وطريقته وحركته بهذا الدين لتحقيق التوحيد. (حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)

قال ابن القيم رحمه الله تعالى في إغاثة اللهفان:

(وما نجا من شرك هذا الشرك الأكبر إلا من جرد توحيده لله وعادى المشركين في الله وتقرب بمقتهم إلى الله)

ثم أوحى الله تعالى إلى نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يتبع ملة إبراهيم

(ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) النحل:123

فاتبعها صلى الله عليه وسلم وأتمها وأكملها أيما كمال حتى صارت سنته ومنهاجه.

قال ابن كثير رحمه الله في التفسير:

" وليس يلزم من كونه صلى الله عليه وسلم أمر باتباع ملة إبراهيم الحنيفية أن يكون إبراهيم أكمل منه فيها لأنه عليه السلام قام بها قياما عظيما وأكملت له إكمالا تاما لم يسبقه أحد إلى هذا الكمال ولهذا كان خاتم الأنبياء وسيد ولد آدم على الإطلاق وصاحب المقام المحمود الذي يرغب إليه الخلق حتى الخليل عليه السلام"

والآن من يستخرج لنا من كتاب الله تعالى وسيرة نبيه ـ وباختصار أيضا ـ كيف قام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهذه الملة العظيمة وله الأجر بإذن الله تعالى؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015