وباعتبار أن الكلام هو مرآة المعنى فإذا ساء نظمه انحلت وحدة معناه وتقوض من أجزائها ما كان مجتمعا وانفصل ما كان متصلا، وتبددت صوره البيانية.

فلا بد إذن من أحكام تلك الوحدة الفنية البيانية بالتأليف بين عناصره حتى تتماسك

ومن نافلة القول أن من لم يفهم أسرار البيان القرآني لن يستطيع إدراك مقاصد الوحي وحقائق التنزيل سواء فيما يتعلق بترتيب تاريخ النزول أو ترتيب التلاوة أي الترتيب التوقيفي

أما بخصوص ما ذهب إليه المؤلفان فيما يتعلق بأسباب النزول معتبرين أن زمنية النص تقتضي عمومية السبب وعلته وقد تطرقنا إلى ذلك من قبل ولكن لابد من الإشارة إلى أنه اذا كان العلماء والفلاسفة متفقون على اقتران الحوادث بأسبابها، كما يقول ذلك عامة الناس، فإن الخلاف الأكبر يدور حول السبب: (ما هو السبب؟)

- هل هو موجد الشيء الذي خلقه ولولاه لم يخلق؟

- أو هو حادث سابق للشيء أو مقترن به يلازمه كلما حدث على نسق واحد؟

فكل ما يقرره العقل أن سبب الشيء يسبقه أو يقترن به كلما حدث على نسق واحد ... ، ولكن السبق لا يستلزم الإيجاد لأن التلازم بين الأسباب والنتائج في وقائع الطبيعة ليس تلازما عقليا كتلازم المقدمة والنتيجة في القضايا العقلية إنما هو تلازم المشاهدة وهذا ما قال به علماء التفسير.

ومن المعلوم أن الكلام ينقسم إلى خصوص يراد به الخصوص وعموم يراد به العموم، وعموم دل القرآن والسنة على استثناء شيء منه فخرج المستثني عن الحكم الوارد بذلك اللفظ، فالخصوص إخراج لفئة استثناء من العموم وإذا ورد العام بعد الخاص يبنى العام على الخاص، وكأن الخاص أتى بعد العام ويكون ذلك نوعا من التقديم والتأخير في الكلام.

وإذا حصل لفظ عام لم يفسر على ما يوجب تخصيصه يظل عاما، فالعموم هو الأصل والخصوص هو الفرع، العموم هو المبدأ والخصوص هو المبدأ الثاني. العموم هو الأساس والخصوص هو المؤسس عليه. العموم يطلب أولا ثم ينشأ منه الخصوص ثانيا. وبلغة المناطقة العموم هو القضية الكبرى والخصوص هو القضية الصغرى المستغرقة في الكبرى (18).

وهذا أيضا ما قال به جمهور العلماء.

وهكذا يتضح أن فهم المؤلفين لأسباب النزول كشف عن قصور معرفي بالعلوم الإسلامية التي لا يمكن فهم الكتاب المبين دون التعمق في تراثها.

وقد تناول المؤلفان مسألة الناسخ والمنسوخ في القرآن

( Versets abrogés et versets abrogeants)

و يعتقدان بأن وجود آيات منسوخة وآيات ناسخة يؤكد بأن القرآن مقيد بالظرف الزمني ويستشهدون بالآية 106 من سورة البقرة ((ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير)) وجاءت ترجمتهما كالتالي:

( عز وجلés que nous abrogeons un verset ou que nous l’effaçons d es mémoires nous apportons un autre meilleur ou analogue).

والملاحظ أن الجزء الاخيرمن الآية تم إغفاله، كما تمت إضافة كلمة ( des mémoires)

أي من الأذهان وهي غير موجودة في النص الأصلي.

ومن باب الاستئناس والمقارنة نقدم صيغة الترجمة لنفس الآية كما وردت في ترجمة المستشرق الفرنسي "بلاشير " للقرآن الكريم:

( عز وجلés que nous abrogeons une aya ou la faisons oublier. Nous en apportons une meilleure ou une semblable. Ne sais-tu. Point qu’allah sur toute chose est omnipotent ?) (19)

من الواضح أن المؤلفين توقفا عند المعنى الحرفي واللفظي لمعنى "" النسخ "" أي التبديل أو المحو أو النقل من حكم إلى حكم ...

في حين أغفلا المعنى التركيبي والاصطلاحي الذي تطرق له جمهور المحققين في أبحاث علوم القرآن، "" يقول الزمخشري في تفسيره أن الله تعالى إذا أراد أن يبدل حكما توجبه المصلحة أتى بحكم خير منه أي آية العمل بها أكثر ثوابا أو مثلها في ذلك وهو على ذلك قدير (على كل شيء قدير) (له ملك السموات والأرض) وهو أعلم بأمور عباده

يجهد المؤلفان نفسيهما في مسألة الناسخ والمنسوخ، بغية إثبات أن مفهوم النسخ la notion d’abrogation ) ) تؤدي إلى القبول بأن في القرآن فترات بعضها سابق وبعضها يأتي لاحقا، ولحظات أهم من أخرى ولحظات تطمس أخرى ..

وتبعا لذلك فإن آيات القرآن لم تعد في مجملها غير قابلة للتعرض للنسخ أو التقادم.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015