قضية للنقاش: إشكالات في منهج التفسير للباحثة فريدة زمرد

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[29 صلى الله عليه وسلمpr 2009, 04:55 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

اطلعتُ على مقالة قيمة بعنوان (قضية للنقاش: إشكالات في منهج التفسير للباحثة فريدة زمرد (*)) وقد لفتت الباحثة النظر إلى الخلل الواقع في الدراسات المطبوعة والمنجزة حول مناهج المفسرين. والتي اقتصرت على الجانب الوصفي لصنيع المفسرين في مؤلفاتهم. ولم تتوقف عند المنهج وعلاقته بأصول التفسير واستنباط المنهج استنباطاً يؤصل للمنهجية الصحيحة في تفسير القرآن الكريم. وقد طرحت في مقالها هذه القضية وغيرها للنقاش، فرأيتُ نقل الحوار هنا لعله يحظى بتعقيبات مفيدة من قبلكم وفقكم الله. وهذا نص مقالتها.

من المسلمات المنهجية في مجال علم التفسير أن المنهج التفسيري يجب أن ينشأ نتيجة تصور معين لأصول هذا العلم ومبادئه الأساسية، ذلك أن مناهج التفسير ليست سوى مظاهر عملية لتلك الأصول والمبادئ، أو هي صورة تطبيقية تعكس وعي المفسر بتلك الأصول، ومدى احتكامه إليها، وكيفية تطبيقها على التفسير، ومن ثم فإن العملية التفسيرية تتكون من أصول نظرية عامة تصاغ منها أسس منهجية تساعد المفسر على عرض معاني الآيات و ما تحمله من أحكام وما تكتنزه من دلالات.

هذه المكونات الثلاثة: الأصول والمنهج والمفسر هي التربة الحاضنة لأي عمل تفسيري، وأي خلل في العلاقة بينها، يؤدي حتما إلى خلل في العمل التفسيري قد تتباين مظاهره بحسب نوع الخلل ومداه.

من هنا يمكن القول بأن تقويم أي عمل تفسيري ينطلق من معرفة طبيعة العلاقة بين هذه المكونات الثلاثة، أي من خلال ملاحظة الصلة بين أصول التفسير والمسلك المنهجي الذي يتبناه المفسر، دون إغفال عنصر المفسر نفسه المتفاعل مع الزمان والمكان والمناخ العلمي والثقافي الذي يعيش فيه.

والناظر في التراث التفسيري، يمكنه بوضوح أن يلحظ مدى الخلل الموجود فيه بسبب عدم التوازن بين المكونات الثلاثة.

لكن تشخيص أسباب هذا الخلل وتحليل مظاهره اقتصر، عند بعض دعاة التجديد في التفسير ـ كأصحاب مدرسة المنار مثلا ـ على حصره في ما يتعلق بالمفسر الذي جعل ثقافته ومذهبه الخاص موجها لمنهجه التفسيري، وجعل التفسير عموما خادما لأصوله ومبادئه المذهبية والفكرية وليس العكس. وهذا ما نلحظه من كلام الشيخ محمد عبده وتلميذه رشيد رضا في مقدمة تفسير المنار، حيث أشارا إلى بعد التفسير عن مقاصد القرآن العالية وانشغال المفسرين عنها (بمباحث الإعراب وقواعد النحو، ونكت المعاني ومصطلحات البيان) أو (بجدل المتكلمين، وتخريجات الأصوليين، واستنباطات الفقهاء المقلدين، وتأويلات المتصوفين، وتعصب الفرق والمذاهب بعضها على بعض ... ) [تفسير المنار: 1/ 7]. وهي كلها مظاهر لتغليب ثقافة المفسر عن أصول التفسير وقواعده ومنهجه.

لكن الغائب الأكبر في تحليل أسباب هذه الاختلالات التي عرفها التفسير هو ما يتعلق بالمنهج. والسؤال المثار هنا هو: ما الخلل الذي عرفه المنهج التفسيري في علاقته بأصول التفسير من جهة وبواقع المفسر وثقافته من جهة أخرى، وهل يمكن تحليل وتقويم ونقد مناهج المفسرين انطلاقا من طبيعة هذه العلاقة؟

هل نكتفي في دراسة مناهج التفسير، بعرض الخطوات التي يتبعها المفسر في عرض الآيات، والمراحل التي تمر بها العملية التفسيرية عنده، أم المطلوب تعميق النظر في المنهج التفسيري من حيث هو تطبيق لقواعد وأصول معينة في التفسير؟

إن معظم الدراسات التي أنجزت في تحليل مناهج التفسير والمفسرين، لم تتعد الوصف القائم على رصف النصوص والشواهد، وغاب فيها:

التحليل العميق القائم على استنباط آليات المنهج التفسيري من بين ثنايا تلك النصوص والشواهد.

والنقد والتمحيص القائم على الاحتكام لأصول هذا العلم وقواعده، نظرا للعلاقة العضوية بين الأصول والقواعد والمنهج.

كما لم تستطع تلك الدراسات الارتقاء إلى مستوى التأريخ للمنهج التفسيري برصد لحظات التطور والتحول، أو الخمول والضمور، التي عرفها في فترات زمنية مختلفة، ومدى تأثره ـ أو عدمه ـ بالتطور الحاصل في علوم مجاورة (كعلم أصول الفقه مثلا)، إلى غير ذلك من الأسئلة المرتبطة بالتأريخ للعلوم بالمعنى الفلسفي "الإبستيمولوجي" له.

ولعل من أغرب المفارقات في مجال البحث الأكاديمي في الدراسات القرآنية وفي التراث التفسيري على الخصوص، أن أغلب ما أنجز منها متعلق بدراسة مناهج المفسرين (هناك قوائم تحصي هذه الأبحاث بالمئات)، ومع ذلك فإن معالجة هذه الإشكالات لم تتم، بل ربما ـ حسب ما تم الاطلاع عليه ـ لم تثر أصلا.

لذلك اختير هذا الموضوع لعرضه على الباحثين والمهتمين والمتخصصين في هذه النافذة المفتوحة للنقاش العلمي المثمر. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: موقع الملتقى الفكري للإبداع.

(*) تعمل الباحثة أستاذة للتفسير وعلوم القرآن بدار الحديث الحسنية بالرباط ـ المغرب.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015