مَنْ صَحَّ فِرارُه إلى اللّهِ صَحَّ قَرارُه مع الله.في رحاب " ففروا إلى الله"

ـ[أبو المهند]ــــــــ[28 صلى الله عليه وسلمpr 2009, 05:16 م]ـ

الفرار إلى الله تعالى

مما لاشك فيه أننا عرضة لمواقف كثيرة منها ما يفرح القلب ويسعد الخاطر، ومنها ما يكدر الصفو ويحزن القلب، والقرآن العظيم ما ترك خيرا إلا دلنا عليه، وما ترك شرا إلا حذرنا منه، علم ذلك من علم، وجهل ذلك من جهل.

ومن العلاجات القرآنية الناجعة المخرجة من ضيق الصدور إلى سعة رحمة الله " الفرار إلى الله "

يقول الله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} الذاريات50

طبق نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ الآية الكريمة حيث إنه كان إذا حزبه أمر, فزع إلى الصلاة, وهذا فرار إلى الله.

ودونك أخي الكريم رحلة مباركة في رحاب هذه الآية الكريمة نستنطق من خلالها ما جادت به قرائح علماء التفسير لنعمل بأجودها وكلها " أجود"

عند الإمام القرطبي في تفسير الفرار إلى الله قال:

قال الحسين بن الفضل: احترزوا من كل شئ دون الله فمن فر إلى غيره لم يمتنع منه.

وقال أبو بكر الوراق: فروا من طاعة الشيطان إلى طاعة الرحمن.

وقال الجنيد: الشيطان داع إلى الباطل ففروا إلى الله يمنعكم منه.

وقال ذو النون المصري: ففروا من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الشكر.

وقال عمرو بن عثمان: فروا من أنفسكم إلى ربكم.

وقال أيضا: فروا إلى ما سبق لكم من الله ولا تعتمدوا على حركاتكم.

وقال سهل بن عبد الله: فروا مما سوى الله إلى الله.

وعند البغوي في معالمه: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}، فاهربوا من عذاب الله إلى ثوابه، بالإيمان والطاعة.

قال ابن عباس: فروا منه إليه واعملوا بطاعته.

وفي البحر {ففروا إلى الله}: أمر بالدخول في الإيمان وطاعة الله، وجعل الأمر بذلك بلفظ الفرار، لينبه على أن وراء الناس عقاب وعذاب. وأمر حقه أن يفر منه، فجمعت لفظة ففروا بين التحذير والاستدعاء.

وعند الشوكاني في فتح القدير: {فَفِرُّواْ إِلَى الله إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} أي: قل لهم يا محمد: ففرّوا إلى الله بالتوبة من ذنوبكم عن الكفر والمعاصي،

وقيل: معنى {فَفِرُّواْ إِلَى الله} اخرجوا من مكة.

وقيل: فرّوا من الجهل إلى العلم

وقال الفخر: عادة المديون أنه إذا رأى صاحب الدين من البعد فإنه يفر منه، والله الكريم يقول: عبادي: أنتم غرمائي بكثرة ذنوبكم، ولكن لا تفروا مني، بل أقول: {فَفِرُّواْ إِلَى الله} [الذاريات: 50] فإني أنا الذي أقضي ديونكم وأغفر ذنوبكم، وأيضًا الملوك يغلقون أبوابهم عن الفقراء دون الأغنياء، وأنا أفعل ضد ذلك.

وعند النيسابوري: وإذا عرفتم الله {ففروا إلى الله} أي التجؤا إليه ولا تعبدوا غيره أمر بالإقبال عليه وبالإعراض عما سواه.

وعند الزمخشري: {ففروا إِلَى الله} أي إلى طاعته وثوابه من معصيته وعقابه، ووحدوه ولا تشركوا به شيئاً.

وعند الماوري: {فَفِرُّوْا إِلّى اللَّهِ} أي فتوبوا إلى الله.

وعن ابن عاشور: الفرار: الهروب، أي سرعة مفارقة المكان تجنباً لأذىً يلحقه فيه فيعدي بـ (من) الابتدائية للمكان الذي به الأذى يقال: فَرَّ من بلد الوباء ومن الموت، والشيء الذي يؤذي، يقال: فر من الأسد وفر من العدوّ.

وجملة {إني لكم منه نذير مبين} تعليل للأمر ب {فروا إلى الله} باعتبار أن الغاية من الإِنذار قصد السلامة من العقاب فصار الإِنذار بهذا الاعتبار تعليلاً للأمر بالفرار إلى الله، أي التوجه إليه وحده.

وعند صاحب الظلال:.التعبير بلفظ الفرار عجيب حقاً. وهو يوحي بالأثقال والقيود والأغلال والأوهاق، التي تشد النفس البشرية إلى هذه الأرض، وتثقلها عن الانطلاق، وتحاصرها وتأسرها وتدعها في عقال. وبخاصة أسباب الرزق والحرص والانشغال بالأسباب الظاهرة للنصيب الموعود. ومن ثم يجيء الهتاف قوياً للانطلاق والتملص والفرار إلى الله من هذه الأثقال والقيود! الفرار إلى الله وحده منزهاً عن كل شريك. وتذكير الناس بانقطاع الحجة وسقوط العذر: {إني لكم منه نذير مبين}. . وتكرار هذا التنبيه في آيتين متجاورتين، زيادة في التنبيه والتحذير!

وقال التستري: فروا من الجهل إلى العلم، ومن عذاب الله إلى رحمته، ومن سخطه إلى رضوانه.

وقال القشيري: قوله جلّ ذكره: {فَفِرُّواْ إِلَى اللَّهِ إِنّى لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}.أي فارجِعوا إلى الله - والإنسان بإحدى حالتين؛ إِمَّا حالة رغبةٍ في شيءٍ، أو حالة رهبة من شيء، أو حال رجاء، أو حال خوف، أو حال جَلْبِ نَفْعٍ أو رفع ضُرٍّ. . . وفي الحالتين ينبغي أَنْ يكونَ فِرارُه إلى الله؛ فإنَّ النافعَ والضارَّ هو اللَّهُ.

ويقال: مَنْ صَحَّ فِرارُه إلى اللّهِ صَحَّ قَرارُه مع الله.

ويقال: يجب على العبد أَنْ يفرَّ من الجهل إلى العلم، ومن الهوى إلى التُّقَى، ومن الشّكِّ إلى اليقين، ومن الشيطانِ إلى الله.

ويقال: يجب على العبد أَنْ يفرَّ من فعله - الذي هو بلاؤه إلى فعله الذي هو كفايته، ومن وصفه الذي هو سخطه إلى وصفه الذي هو رحمته، ومن نفسه - حيث قال: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28] إلى نفسه حيث قال: {فَفِرُّواْ إِلَى اللَّهِ}.

وفي البحر المديد: الشيطان كالكلب، كلما اشتغلت بدفعه قوي نبحه عليك، فإما أن يخرق الثياب، أو يقطع الإهاب، فإذا رفعت أمره إلى مولاه كفه عنك.

وقد قال علي الجمل: عداوة العدو حقًا هو اشتغالك بمحبة الحبيب حقا، وأما إذا اشتغلت بعداوة العدو، فاتتك محبة الحبيب، ونال مراده منك

فافزعوا سريعا إلى الله - تعالى - وفروا إلى طاعته، فإنه لا مهرب منه.

ماذا بعد ... أنحن على استعداد لنفر جميعا إلى الله؟؟

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015