الحجة الرابعة: اختلاط الأسماء الواضحة العروبة بأسماء غامضة بالانحراف الذي أصابها. مثال ذلك اسم "صلة" العربي الذي هو اسم إحدى زوجتي لمك أحد أحفاد (فين). هذا الاسم موضوع في جوار خليط من الأسماء مثل (متوشئل) و (مهويئل) وغير ذلك. لا معنى لهذا التباعد إلا مرور التحريف إلى الأسماء البعيدة عن العربية، وكأن الآخذ عن الأصل العربي بهذه البقايا العربية الواضحة مثل "صلة". دلائل ذلك الأصل.
هناك مثال آخر هو "عدة" الذي هو اسم الزوجة الأخرى للمك. كتبوا في النص العبري "عده". وكتبوا فيه اسم الزوجة الأخرى "صله" فهل كان الكاتب المترجم يحرف الأسماء بمقادير متفاوتة أولها ما عمله بصلة؟ ثم ما عمله بعده؟ ثم ما عمله بالأسماء الأخرى التي أخفى وجهها العربي؟
وفي كل الأحوال، ما سر تتابع الأسماء العربية في "سفر التكوين" مع أسماء غريبة الوجه في سلسلة النسب الواحدة؟ إن ذلك ما يجعلنا نشك في حقيقة أسماء مثل "إنس" و"هنوك" و"يرد"، فهل تكون محرفة عن أصول عربية غطيت بحركات أذهبت عربيتها؟ ذلك رأينا.
من الأسماء العربية التي نجدها في "سفر التكوين"، والتي تؤكد الحجة التي نسوقها هناأسماء ذكرت في قصة نوح من "سفر التكوين" وذلك مثل "سام" من السمو، و"حام" من الحماية، و"سبا". هذه الكلمة الأخيرة مذكورة في ذلك السفر بذلك الرسم في العبرانية، ومن البين أنها "سبأ" المعروفة في تاريخ اليمنيين. قال المسعودي: "أول من يعد من ملوك اليمن سبأ بن يشجب بن يعرب" (7) لكنها في "سفر التكوين"، تعني اسم رجل هو ابن كوش بن حام.
لا يعنينا هذا الخلاف الأنسابي وإن كان يجرنا إلى النظر إلى الكتاب العبراني المدعو عند أهله بالتوراة، كما ينظر إلى رواية للتاريخ والأنساب تدخل في علاقة مع جملة من الروايات الأخرى الممثلة في نقول المسعودي والطبري، وغيرهما من المؤرخين والإخباريين.
إن في مروج الذهب نقولا عن "توراة" أخرى يمنية ومضرية تجعل الناظر في التوراة العبرانية، التي نستدل هنا على أصولها العربية، ينظر إليها على أساس أنها لا تعدو أن تكون نصا من جملة نصوص مشابهة بقيت آثارها عند المؤرخين العرب. لكن الدليل اللغوي الذي نأتي به هنا لا يزيد على أن يفضي بأن هذه "التوراة" العبرانية ليست إلا ترجمة لنص عربي كان جزءا من ذلك التراث الإخباري الأنسابي الممثل في النقول الإخبارية الأنسابية اليمينية والمضرية المنتصبة في كتابات المؤرخين الذين ضربنا لهم المسعودي هنا مثلا.
الحجة الخامسة: بقاء أثر الإعراب العربي كما هو قائم في إعرابات نوعية في اللسان العربي، بقاء ذلك بارزا في أسماء لم يكن من الممكن تحريفها، وهي الأسماء المركبة من جزأين هما "أبو+ اسم" كأبي زيد، وأبي مالك وما شابههما. نجد من ذلك في قصة نوح من "سفر التكوين" اسم "أبي مائل" الذي نسب ابنا ليفطن. وقد ذكر في ذلك السفر معربا بالكسر، نقلا عن صورته في الأصل العربي المفقود، ومن ذلك السفر محركا بالإمالة، ومحافظا على إعرابه العربي بالكسر في صورته النوعية "أبي". (8) ولا ينحصر الأمر فيما ذكرنا هنا من أمثلة.
الحجة السادسة: وهذه حقها أن تذكر مع الحجة الثانية، لكن فصلناها هنا لأنها نوع من الأسماء المذكورة في سفر آخر عند """سفر التكوين"""، هو "سفر الخروج"، ذلك هو اسم موسى، كيف كتب بالخط العبري؟: كتب (م ش ه) وفسر على لسان بنت فرعون التي زعم هناك أنها مسميته كما يلي "كي من هميم مشيتهو" ومعناها "لأنني من الماء مشيته" والمقصود أنها أخرجته من الماء.
أولا: نلاحظ أن الاسم "م ش ه" من لغة بنت فرعون لا من لغة العبرانييت. وأن "مشيتهو" من لغتها.
ثانيا: نلاحظ أن "م ش ه" من صيغة المبني للمجهول القربية، وأن الهاء هناك للسكت، والمقصود ان بنت فرعون سمته "مشي" أي أخرج.
ثالثا: يلاحظ أن "مشى" في لغة بنت فرعون تعني "مشى" في عربيتنا، وأنها استخرجت من ذلك فعلا مبنيا للمجهول على الطريقة العربية هو (م ش) وأضيفت الهاء للسكت.
رابعا: يلاحظ أن هذه المعاني لا تستقيم إلا بالعربية، أعني أن كاتب النص كان يتحدث عن ناطقة بالعربية، وكان يكتب لقارئين بالعربية، فلذلك فسر الاسم بمقتضى العربية كما فهم.
¥