أخبرني هاشم بن محمد، قال: حدثنا الرياشي، قال: سمعت الأصمعي يقول: رجلان ما عُرِفا في الدنيا قط إلا بالاسم: مجنون بني عامر، وابن القِرّيَّّة. وإنما وضعهما الرواة. وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عبد الله بن أبي سعد عن الحزامي، قال: ولم أسمعه من الحزامي فكتبته عن ابن أبي سعد، قال أحمد: وحدثنا به ابن أبي سعد عن الحزامي، قال: حدثنا عبد الجبار بن سعيد بن سليمان بن نوفل بن مساحقٍ عن أبيه عن جده، قال: سعيت على بني عامر فرأيت المجنون وأتيت به وأنشدني. أخبرني علي بن سليمان الأخفش، قال: حدثنا أبو سعيد السكري، قال: حدثنا إسماعيل بن مجمع عن المدائني، قال: المجنون المشهور بالشعر عند الناس صاحب ليلى قيس بن معاذ من بني عامر، ثم من بني عقيل، أحد بني نمير بن عامر بن عقيل. قال: ومنهم رجل آخر يقال له: مهدي بن الملوح من بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة". فنحن هنا أمام رأيين: رأى يقول إن المجنون شخص حقيقى، والآخر أنه لا حقيقة له. والمجنون، كما نعرف، ينتمى إلى عصر بنى أمية.

وفى "الأغانى" أيضا: "أخبرني أبو خليفة عن ابن سلام أن أبا يحيى الضبي قال: قال ذو الرمة يوما: لقد قلت أبياتا إن لها لعروضا وإن لها لمرادا ومعنى بعيدا. قال له الفرزدق: ما هي؟ قال: قلت:

أحين أعاذت بي تميمٌ نساءها * وجُرِّدْتُ تجريد اليماني من الغِمْدِ

ومدت بضبعيّ الرباب ومالكٌ * وعمرٌو، وشالت من ورائي بنو سَعْدِ

ومن آل يربوعٍ زهاءٌ كأنه * زها الليل محمود الكناية والرِّفْدِ؟

فقال له الفرزدق: لا تعودن فيها، فأنا أحق بها منك. قال: والله لا أعود فيها ولا أنشدها أبدا إلا لك. فهي قصيدة الفرزدق التي يقول فيها:

وكنا إذا القيسي نب عتوده * ضربناه فوق الأنثيين على الكرد

... وروى هذا الخبر حماد عن أبيه عن أبي عبيدة عن الضحاك الفقيمي، قال: بينا أنا بكاظمة، وذو الرمة ينشد قصيدته التي يقول فيها: "أحين أعاذت بي تميمٌ نساءها" إذا راكبان قد تدليا من نقب كاظمة مقنَّعان فوقفا، فلما فرغ ذو الرمة حسر الفرزدق عن وجهه وقال لراويته: يا عبيد، اضمم إليك هذه الأبيات. قال له ذو الرمة: نشدتك الله يا أبا فراس! فقال له: أنا أحق بها منك. وانتحل منها هذه الأربعة الأبيات". ولست أقول إن هذا صحيح بالضرورة، بل أريد إلى أن ألفت الانتباه إلى أن ثم خلافا وشكوكا حول بعض النصوص الأموية، وإن الانتحال، إن صحت الرواية، كان يتم فى بعض الأحيان "عَيْنِى عَيْنَك" دون حرج أو تردد.

وفى "رسائل الجاحظ" نقرأ ما يلى: "وإني ربما ألفت الكتاب المحكم المتقن في الدِّين والفقه، والرسائل والسيرة، والخطب والخراج والأحكام، وسائر فنون الحكمة، وأنسبه إلى نفسي، فيتواطأ على الطعن فيه جماعةٌ من أهل العلم، بالحسد المركب فيهم، وهم يعرفون براعته ونصاعته. وأكثر ما يكون هذا منهم إذا كان الكتاب مؤلفا لملكٍ معه المقدرة على التقديم والتأخير، والحطِّ والرَّفع، والترغيب والترهيب، فإنهم يهتاجون عند ذلك اهتياج الإبل المغتلمة. فإن أمكنتْهم حيلةٌ في إسقاط ذلك الكتاب عند السيد الذي أُلِّف له فهو الذي قصدوه وأرادوه. وإنْ كان السيد المؤلَّف فيه الكتاب نحريرا نقابا، ونقريسا بليغا، وحاذقا فطنا، وأعجزتْهم الحيلة، سرقوا معاني ذلك الكتاب وألّفوا من أعراضه وحواشيه كتابا، وأَهْدَوْه إلى ملك آخر، ومَتُّوا إليه به، وهم قد ذمّوه وثلبوه لمّا رأوه منسوبا إليّ، وموسوما بي. وربما ألفت الكتاب الذي هو دونه في معانيه وألفاظه، فأترجمه باسم غيري، وأحيله على من تقدمني عصره، مثل ابن المقفع والخليل وسَلْم صاحب بيت الحكمة ويحيى بن خالد والعتّابيّ ومن أشبه هؤلاء من مؤلِّفي الكتب، فيأتيني أولئك القوم بأعيانهم الطاعنون على الكتاب الذي كان أحكم من هذا الكتاب لاستنساخ هذا الكتاب وقراءته عليّ، ويكتبونه بخطوطهم، ويصيِّرونه إماما يقتدون به ويتدارسونه بينهم، ويتأدّبون به ويستعملون ألفاظه ومعانيه في كتبهم وخطاباتهم، ويروونه عنيِّ لغيرهم من طلاب ذلك الجنس فتثبت لهم به رياسة، ويأتمُّ بهم قومٌ فيه، لأنه لم يترجَم باسمي، ولم يُنْسَب إلى تأليفي. ولربما خرج الكتاب من تحت يدي مُحْصَفًا كأنه متن حجرٍ أملس، بمعانٍ لطيفةٍ محكمةٍ، وألفاظ شريفة فصيحة، فأخاف عليه طعن الحاسدين إنْ أنا

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015