"ورحم الله سيد قطب عندما قال:"إن هذا القرآن هو معلم هذه الأمة ومرشدها ورائدها وحادي طريقها على طول الطريق، وهو يكشف لها عن حال أعدائها معها، وعن جبلتهم وعن تاريخهم مع هدى الله كله. ولو ظلت هذه الأمة تستشير قرآنها؛ وتسمع توجيهاته؛ وتقيم قواعده وتشريعاته في حياتها، ما استطاع أعداؤها أن ينالوا منها في يوم من الأيام ... ولكنها حين نقضت ميثاقها مع ربها، وحين اتخذت القرآن مهجورا- وإن كانت ما تزال تتخذ منه ترانيم مطربة، وتعاويذ ورقى وأدعية- أصابها ما أصابها".
وهذا هو بيت القصيد؛ إننا لا نحتاج إلى دراسات نظرية معقدة جافة كالتي قدمها الكاتب، بل نحتاج إلى تطبيق عملي لأحكام وآداب وأخلاق هذا القرآن، وهذا الذي دعى إليه سيد رحمه الله بأسلوبه السهل الميسر الذي هو قبس من مشكاة القرآن، هو الذي نحتاج إليه في هذا العصر وكل عصر، وليس إلى نظريات فلسفية معقدة يصور فيها أصحابها القرآن على أنه قد استغلق فهمه وأنه يحتاج إلى توضيح بمثل هذه النظريات التي هي أقرب إلى تعقيد المشكلة " إن كان هناك مشكلة " من حلها.
"إن مرجعية القرآن الكريم الحضارية ليست بالشيء المستحيل، فقد حقق القرآن الكريم عالميته في الصدر الأول فكيف لا يمكن له أن يحقق عالميته الثانية، الواقع أن مفتاح هذه العالمية يكمن في الكسب البشري ونهله من هذا الكتاب العظيم بالمجهود والكيفية التي تليق بكتاب أنزله رب العالمين هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان "ذلك أن كتابا نزل إلى العالمين، إلى الناس كافة على امتداد أزمنتهم وأمكنتهم لابد أن يبقى مفتوحا للأجيال تنهل منه على اختلاف بيئاتها وأزمانها، ولو كان ذلك بأقدار ونسب متفاوتة. إنه لمن الخطأ أن تعمد مدارس أو فرق أو اتجاهات إلى محاصرة الوحي بأفهامها، فلا تسمح له بالامتداد إلا بمقدار ما تسمح له عقولها ومداركها. فما كان لهذا الدين إن سادته هذه الأفهام في صدره الأول أن يحقق عالميته الأولى ولا أن يغادر الجزيرة ليصل آفاق الأرض."
وهذا كلام لا غبار عليه؛ ليس لأحد حق محاصرة الوحي بفهمه، لكن في نفس الوقت ليس لكل أحد أن يتكلم في القرآن كيفما اتفق دون ضوابط ويزعم لنفسه أنه مكتشف الأسلوب الأمثل لفهم القرآن.
وأقول هذا ردا على قول الكاتب:
"فمناط الأمر إذن دعوة للتحرر من القيود المذهبية التي حنطت الآيات في أفهام تاريخية غير قابلة للرد أو التعديل أو حتى التكميل، وهذا لا يعني بالضرورة رفض كل هذا التراث التفسيري الجليل وإنما كما يقال تاريخ العلوم هو تاريخ تراكم لا تاريخ القواطع المعرفية، إننا في حاجة إلى استئناف حضاري بوابته الكبرى استئناف في الإبداع العلمي والمعرفي ولعل عنوان إعادة بناء علومنا وفق مرجعية القرآن الكريم هو البداية الصحيحة. "
فهذا كلام فيه تجني على تأريخ الأمة وتسفيه للأجيال التي حملت أمانة تبليغ هذا الدين، فليس هناك قيود مذهبيه حنطت القرآن في أفهام تأريخية غير قابلة للرد أو التعديل أو حتى تكميل كما زعم الكاتب.
إن ما تركه السلف من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا لا يمنع من الإبداع العلمي والمعرفي.
أما إعادة بناء علومنا وفق مرجعية القرآن الكريم، فإني أسأل هل كانت علومنا يوما مبنية على غير القرآن؟
هذه وجهة نظر، والله من وراء القصد.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.