لكن مع المصدر "تنزيل" فلا يذكر إلا الله عز وجل، لأنه هو تعالى مصدر تنزيل القرآن.

وفي آية طه جيء بـ"مَنْ" لحصر الإشارة إلى ذات الله تعالى، ومع أن "مَنْ" لها دلالات عديدة إلا أن القرينة؛ (مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا) تحصر دلالتها في ذات واحدة؛ هي ذات الله عز وجل، لأنه لا خالق للأرض والسموات إلا هو سبحانه وتعالى، ولولا ذلك لما صح الإتيان بها إذا لم تحدد بقرينة تدل عليه، والإتيان بمِنْ التي للتبعيض، لاستبعاد غير الله عز وجل التي تشير إليه في الآيات السابقة.

بسم الله الرحمن الرحيم

الكلمة السابعة والعشرون: وصل فيم

وردت "فيم" في القرآن الكريم مرتان؛

في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) النساء.

وفي قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) النازعات.

فيم مكونة من؛ حرف الجر "في"، ومن "ما" الموغلة في الإبهام، والمختصة في العموم.

حرف الجر "في" مكون من حرفين؛

حرف الفاء المستعمل للدلالة على الحركة، وقد استعمل هذا الحرف منفردًا للدلالة على التعقيب المباشر بغير انتظار ولا تمهل، أي أنه حدث للشيء أمر جديد لم يتوقف فيه عند الأمر السابق.

وتكونت كذلك من حرف الياء الذي يدل على التحول.

ولكون الكلمة مكونة من حرفين فإن الحرف الثاني أخذ معنى انحصار الحرف الوسط واستمرار الحرف الأخير؛ فكانت الياء بهذا الوضع دالة على التحول الدائم المستمر للحركة التي أفادها حرف الجر "في"؛ حركة وتنقل مستمرين.

وعلى ذلك كان استعمال حرف الجر "في" مع الحركة في القرآن؛ كالحركة في الأرض؛

في قوله تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) النمل.

وفي قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) الملك.

ولكن عند الموت والهلاك تنعدم حركة الناس؛ فكان استخدام "على" بدلا من "في"؛

في قوله تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ (61) النحل.

واستعملت "في" مع الحركة في البحر؛

في قوله تعالى: (وَمِنْ ءاَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ (32) الشورى.

أما عند سكون الريح وتوقف السفن عن الحركة فاستعملت "على" بدلا من "في"؛

في قوله تعالى: (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ (33) الشورى.

واستعملت "في" مع حركة موسى إلى فرعون لدعوته، وهو أمر رهيب يتوقف عنده من لا يملك سندًا يحميه من بطش فرعون؛

في قوله تعالى: (وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) الذاريات.

واستعملت "في" مع الصلب لما لم أراد فرعون التنكيل بالمصلوبين؛ لتسيح لحومهم وشحومهم على جذوع النخل؛ ليكون ذلك أرهب لرعيته، ولم يرد مجرد تثبيتهم "على" الجذوع.

في قوله تعالى: (وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) طه.

و"فيم" ومكونة أيضًا من: "ما"؛ الموغلة في الإبهام، والمختصة في العموم.

وهي مكونة من حرف الميم الذي يفيد الإحاطة والغلبة، فهي شاملة وحاصرة لكل أفراد الجمع،

ومن الألف التي تفيد الامتداد المنفصل؛ أي أن هذا الجمع لم يتوحد فيه أفراد، وبقي لكل فرد ما يميزه عن الآخرين، ومستقلا عنهم؛

لذلك كان استعمال "ما" شديد الإبهام، وشامل لكل شيء وأكثر الأشياء؛ هي أشياء غير عاقلة.

وقد حذفت ألف التفصيل فيها؛ وبقيت "م" الإحاطة، ووصلت بـ"في" فأصبحت؛فيم" وأصبحت أداة للاستفهام.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015