وفي قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي الَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْءانِ (20) المزمل.

علم الله تعالى أن الناس لن يقدروا على إحصاء الليل بالعبادة؛ فهذه القدرة مقطوعة عنهم، وكذلك جاء الرسم بالقطع موافقًا لذلك.

لم تأت "أن لن" مع "ظن" إلا مقطوعة؛ لأنها متعلقة بأمر مستقبل مقطوع عن الوجود حتى يأتي زمن قدومه،

وأما مع "زعم" و"حسب" فقد جاء الرسم بالقطع والوصل حسب المعنى

بسم الله الرحمن الرحيم

الكلمة الخامسة والعشرون: وصل ربماوردت "ربما" مرة واحدة فقط؛

في قوله تعالى: (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2) الحجر

ربما تقرأ بتشديد الباء وتخفيفها،

قرأ نافع وحفص وأبو جعفر بالتخفيف، والباقي بالتشديد.

ورب حرف جر يدخل على الأسماء، فيفيد التقليل، وقد يفيد التكثير، ويعرف ذلك بالقرينة، وما المتصلة به إما تفسر على أنها كافة ومهيئة لدخول رب على الفعل، وقد حصر دخولها على الفعل الماضي، ولكن لما كان فعل المستقبل "يود" من إخبار الله تعالى فهو مقطوع به، كالقطع بحدوث الفعل الماضي.

وتفسر "ما" بمعنى شيء؛ أي؛ رب شيء يوده الكافرون أن يكونوا مسلمين.

وهذا التواد من الكافر يكون عندما يرى مقعده من النار عند الموت، أو لما يرى نجاة المسلمين يوم القيامة من العذاب، أو عندما يخرج عصاة من المسلمين من النار.

ووصلها يدل على أن الكفار لا يودون شيئًا آخر غير أن يكونوا مسلمين، فهو ما يودونه كلما يحدث ما يثيرهم ويذكرهم بخلودهم في النار.

بسم الله الرحمن الرحيم

الكلمة السادسة والعشرون: وصل ممن

وردت "مِمَّنْ" في (36) موضعًا، وقد صلت فيها جميعًا، ولم تقطع في أي واحدة منها.

"ممن" مكونة من حرف الجر "مِنْ"، و"مَنْ" الموصولة؛ والتي تصلح للدلالة على المفرد والمثنى والجمع، والمذكر والمؤنث؛

وعندما يستعمل مع "مَنْ" الموصولة؛ "مِنْ" التبعيضية؛ فإن ذلك يحصر استعمالها للدلالة على الجمع المبهم، ولذلك صار بينهما نسب وتلازم لا انفكاك منه؛ لأن هذا البعض من ذاك الجمع؛ كان منهم، أو لحق بهم فأصبح منهم، فكتبت على ذلك في الرسم موصولة؛ واختفت بالإدغام نون النزع تأكيدًا لمعنى الوصل؛ وهذا الوضع مناسب مع "مَنْ: للاستفهام الاستنكاري التي جاءت في خمسة عشر موضعًا جاءت فيها: (ومن أظلم مِمَّنْ)؛

كما في قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) الصف.

وثلاث مواضع فيها: (ومن أضَلُّ مِمَّنْ)؛

كما في قوله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) الأحقاف.

أو كانت دلالتها على جمع، وإن لم يذكر معها أداة شرط؛

كما في قوله تعالى: (لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) ص.

وفي قوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ (282) البقرة.

وجاءت في آية واحد لا احتمال فيها إلا لواحد فقط؛

في قوله تعالى: (تَنزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا (4) طه.

لقد نسب الله تعالى نزول القرآن لمن أوصله لنبيه وهو جبريل عليه السلام، بالألفاظ؛ نزل به، ونزَّله؛ في قوله تعالى: (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) البقرة.

وفي قوله تعالى: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) النحل

وفي قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) الشعراء،

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015