ومع هذا فلم يكن تحريم الخمر وما يتصل بها من الميسر أمرا مفاجئا. . فلقد سبقت هذا التحريم القاطع مراحل وخطوات في علاج هذه التقاليد الاجتماعية المتغلغلة , المتلبسة بعادات النفوس ومألوفاتها , والمتلبسة كذلك ببعض الجوانب الاقتصادية وملابساتها." (في ظلال القرآن) عند تفسير سورة المائدة.

قلت (شاكر) الشاهد في هذا النقل أن مادة العقيدة كانت ولا زالت هي نقطة البدء للجهاد بالقرآن والدعوة الصحيحة سواء للمسلمين ولغيرهم. وهي أي مرحلة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) مرحلة يُنتقل بها إلى غيرها ولا يُنتقل منها إلى غيرها كما لخصها الشيخ محمد قطب حفظه الله.

ـ[شاكر]ــــــــ[26 Mar 2009, 08:46 م]ـ

نقف أمام الدعوة الواحدة الخالدة على لسان كل رسول وفي كل رسالة. .

دعوة توحيد العبادة والعبودية لله , المتمثلة فيما يحكيه القرآن الكريم عن كل رسول: (قال: يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره). .

ولقد كنا دائما نفسر "العبادة " لله وحده بأنها "الدينونة الشاملة " لله وحده. في كل شأن من شؤون الدنيا والآخرة.

ذلك أن هذا هو المدلول الذي تعطيه اللفظة في أصلها اللغوي. . فإن "عبد" معناها: دان وخضع وذلل. وطريق معبد طريق مذلل ممهد. وعبده جعله عبدا أي خاضعا مذللا. .

ولم يكن العربي الذي خوطب بهذا القرآن أول مرة يحصر مدلول هذا اللفظ وهو يؤمر به في مجرد أداء الشعائر التعبدية. بل إنه يوم خوطب به أول مرة في مكة لم تكن قد فرضت بعد شعائر تعبدية!

إنما كان يفهم منه عندما يخاطب به أن المطلوب منه هو الدينونة لله وحده في أمره كله ; وخلع الدينونة لغير الله من عنقه في كل أمره. .

ولقد فسر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] "العبادة " نصا بأنها هي "الاتباع" وليست هي الشعائر التعبدية. وهو يقول لعدي ابن حاتم عن اليهود والنصارى واتخاذهم الأحبار والرهبان أربابا:" بلى. إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال. فاتبعوهم. فذلك عبادتهم إياهم ". .

إنما أطلقت لفظة "العبادة " على "الشعائر التعبدية " باعتبارها صورة من صور الدينونة لله في شأن من الشؤون. . صورة لا تستغرق مدلول "العبادة " بل إنها تجيء بالتبعية لا بالأصالة!

فلما بهت مدلول "الدين" ومدلول "العبادة " في نفوس الناس صاروا يفهمون أن عبادة غير الله التي يخرج بها الناس من الإسلام إلى الجاهلية هي فقط تقديم الشعائر التعبدية لغير الله , كتقديمها للأصنام والأوثان مثلا!

وأنه متى تجنب الإنسان هذه الصورة فقد بعد عن الشرك والجاهلية وأصبح "مسلما" لا يجوز تكفيره! وتمتع بكل ما يتمتع به المسلم في المجتمع المسلم من صيانة دمه وعرضه وماله. . . إلى آخر حقوق المسلم على المسلم!

وهذا وهم باطل , وانحسار وانكماش , بل تبديل وتغيير في مدلول لفظ "العبادة " التي يدخل بها المسلم في الإسلام أو يخرج منه - وهذا المدلول هو الدينونة الكاملة لله في كل شأن ورفض الدينونة لغير الله في كل شأن. وهو المدلول الذي تفيده اللفظة في أصل اللغة , والذي نص عليه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] نصا وهو يفسر قول الله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله). . وليس بعد تفسير رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لمصطلح من المصطلحات قول لقائل.

هذه الحقيقة هي التي قررناها كثيرا في هذه الظلال وفي غيرها في كل ما وفقنا الله لكتابته حول هذا الدين وطبيعته ومنهجه الحركي. . فالآن نجد في قصة هود كما تعرضها هذه السورة لمحة تحدد موضوع القضية ومحور المعركة التي كانت بين هود وقومه ; وبين الإسلام الذي جاء به والجاهلية التي كانوا عليها ; وتحدد ما الذي كان يعنيه وهو يقول لهم: (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره). .

إنه لم يكن يعني: يا قوم لا تتقدموا بالشعائر التعبدية لغير الله!

كما يتصور الذين انحسر مدلول "العبادة " (1) يراجع البحث القيم الذي كتبه المسلم العظيم الاستاذ السيد أبوالاعلي المودودي أمير الجماعة الاسلامية بباكستان بعنوان:" المصطلحات الاربعة في القران ". . "الاله. الرب. الدين. العبادة" في مفهوماتهم , وانزوى داخل إطار الشعائر التعبدية! إنما كان يعني الدينونة لله وحده في منهج الحياة كلها ; ونبذ الدينونة والطاعة لأحد من الطواغيت في شؤون الحياة كلها. .

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015