ومعنى يشرون: يبيعون كما ذكر ابن كثير وغيره من المفسرين.

وقوله تعالى: (الذين يشرون الحياه الدنيا بالاخره) هو مفعول به، فمعنى الكلام: ليقاتل المؤمنون المجاهدون الكافرين الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة، أي يأخذون الحياة الدنيا العاجلة ويفضلونها على الآخرة الباقية. ولذلك قال ابن كثير: (أي يبيعون دينهم بعرض قليل من الدنيا وما ذلك إلا لكفرهم وعدم ايمانهم .. ).

وليتنبه إلى أن حرف الباء في مثل هذا الكلام يدخل على الثمن، وقد دخل هنا على (الآخرة) لأنها هي الثمن الذي دفعه هؤلاء الكفار.

إذا كان معنى يشرون هو يبيعون

فإن الثمن هو الآخرة في قوله تعالى: يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ. والثمن هنا مدفوع من قبل الله تعالى.

فالحياة الدنيا هي المبيوعة والآخرة هي المشتراة، والبائع هم المؤمنون والمشتري هو الله تعالى.

وهذا الصفقة لا يفعلها الكافرون وإنما هم المؤمنون الذين يفعلون ذلك.

كما قال الله تعالى:

(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) سورة التوبة (111)

فالمؤمنون هنا هم البائعون والله هو المشتري. وكذلك في آية النساء.

والمعنى الذي ذكره ابن كثير يصح لو كانت الآية: يشترون الحياة الدنيا بالآخرة.

هنا يصبح المعنى أنهم باعو الآخرة بالدنيا، أي: أنهم آثروا حب الدنيا وشهواتها على الآخرة، فليس هنا مقايضة بين الكفار وأحد كما هي الحال مع المؤمنين.

ويزيد الأمر وضوحاً الآيات التالية:

(أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) سورة البقرة (16)

(أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) سورة البقرة (86)

(بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ) سورة البقرة (90)

(أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) سورة البقرة (175)

(إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) سورة آل عمران (177)

(اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) سورة التوبة (9)

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) سورة لقمان (6)

فمعنى اشتروا في جميع الآيات السابقة أي: ابتاعوا، بمعنى أنهم استبدلوا فأخذوا ما يضرهم وتركوا ما ينفعهم.

أما أهل الإيمان فدائما يستدخم معهم لفظ يشري: أي: يبيعون كما هو في آية النساء، وكذلك في سورة البقرة

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) (207)

وقد ذكر بعض المفسرين وجهاً آخر للآية ومنهم:

الألوسي في روح المعاني، وأبو حيان في البحر وحملوا معنى يشرون على معنى يبتاعون فيكون المخاطب في الآيه المنافقين المترددين في الجهاد ويكون المعنى أي تركوا تفضيلكم الدنيا على الآخرة وتبوا وقاتلوا في سبيل الله. قال أبو حيان:

" {فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة} قيل: نزلت في المنافقين الذين تخلفوا عن أحد. ويشرون بمعنى يشترون. والمعنى: أخلصوا الإيمان بالله ورسوله، ثم جاهدوا في سبيل الله."

تفسير البحر المحيط - (ج 4 / ص 194)

وهذا المعنى في نظري يمنع منه سياق الآيات. وأيضا ما عهدناه من استخدام القرآن في أنه يخاطب الكفار والمنافقين بالتكاليف العمليه إلا على وجه الاخبار عن حالهم تجاه هذا الخطاب العام.

هذا والله أعلم

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.

ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[07 Mar 2009, 11:20 م]ـ

إذا كان معنى يشرون هو يبيعون

فإن الثمن هو الآخرة في قوله تعالى: يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ. والثمن هنا مدفوع من قبل الله تعالى.

فالحياة الدنيا هي المبيوعة والآخرة هي المشتراة، والبائع هم المؤمنون والمشتري هو الله تعالى.

وهذا المعنى في نظري يمنع منه سياق الآيات. وأيضا ما عهدناه من استخدام القرآن في أنه يخاطب الكفار والمنافقين بالتكاليف العمليه إلا على وجه الاخبار عن حالهم تجاه هذا الخطاب العام.

هذا والله أعلم

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.

*تصحيح لفظة وعبارة.

"فالحياة الدنيا هي المباعة والآخرة هي المشتراة."

"وأيضاً لم نعهد أن القرآن خاطب الكفار والمنافقين بالتكاليف العملية إلا على وجه الاخبار عن حالهم تجاه هذه التكاليف"

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015