{ويشرون} معناه يبيعون، لأنّ شرى مقابل اشترى، مثل باع وابتاع وأكرى واكترى، وقد تقدّم تفصيله عند قوله تعالى: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} في سورة [البقرة: 16]. فالذين يشرون الحياة الدنيا هم الذين يبذلونها ويرغبون في حظّ الآخرة. وإسنادُ القتال المأمور بع إلى أصحاب هذه الصلة وهي: {يشرون الحياة الدنيا بالآخرة} للتنويه بفضل المقاتلين في سبيل الله، لأنّ في الصلة إيماء إلى علّة الخبر، أي يبعثهم على القتال في سبيل الله بَذْلُهم حياتهم الدنيا لِطلب الحياة الأبدية، وفضيحة أمر المبطّئين حتى يرتدعوا عن التخلّف، وحتّى يُكشف المنافقون عن دخيلتهم، فكان معنى الكلام: فليقاتل في سبيل الله المؤمنون حقّاً فإنّهم يشرون الحياة الدنيا بالآخرة، ولا يفهم أحد من قوله: {فليقاتل في سبيل الذين يشرون} أنّ الأمر بالقتال مختصّ بفريق دون آخر، لأنّ بذل الحياة في الحصول على ثواب الآخرة شيء غير ظاهر حتّى يعلّق التكليف به، وإنّما هو ضمائر بين العباد وربّهم، فتعيّن أنّ إسناد الأمر إلى أصحاب هذه الصلة مقصود منه الثناء على المجاهدين، وتحقير المبطَّئين، كما يقول القائل «ليس بعُشِّككِ فادرُجي». فهذا تفسير الآية بوجه لا يعتريه إشكال."

التحرير والتنوير - (ج 3 / ص 472)

وهذا كلام الطبري رحمه الله تعالى في الآية:

يقول الله لهم جل ثناؤه:"فليقاتل في سبيل الله"، يعني: في دين الله والدعاء إليه، والدخول فيما أمر به أهل الكفر به ="الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة"، يعني: الذين يبيعون حياتهم الدنيا بثواب الآخرة وما وعد الله أهل طاعته فيها. وبيعُهم إياها بها: إنفاقهم أموالهم في طلب رضى الله، لجهاد من أمر بجهاده من أعدائه وأعداء دينه، (3) وبَذْلهم مُهَجهم له في ذلك.

تفسير الطبري - (ج 8 / ص 541)

* المراجع آلية.

وفق الله الجميع للصواب.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.

ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[07 Mar 2009, 05:19 م]ـ

لتفسير ابن كثير الكثير من المختصرات , وأنصحك بالمحافظة على وقتك ومراجعة هذه المختصرات فهو أولى من البدء بعمل جديد.

ـ[نزار حمادي]ــــــــ[07 Mar 2009, 05:42 م]ـ

لتفسير ابن كثير الكثير من المختصرات , وأنصحك بالمحافظة على وقتك ومراجعة هذه المختصرات فهو أولى من البدء بعمل جديد.

موافقة لطيفة، فهذا ما دار في ذهني عندما قرأت المشاركة الأولى.

لكن يلاحظ أن قراءة المختصر غير تصنيف المختصر، والفرق من وجوه:

1 ـ القراءة أسهل لأن القارئ إذا لم يفهم شيئا فلا يكون مضطرا إلى بيانه لنفسه، بل يتركه وينتقل لغيره، أما في الاختصار فالواجبُ البيان.

2 ـ القراءة أسهل من الاختصار لأن القارئ لا يلزمه الإحاطة بعلوم التفسير ليستفيد من التفاسير، بل الفائدة النسبية حاصلة له مع القراءة مهما كان مستواه العلمي. أما المختصِر فيلزمه الإحاطة ولو إجمالا بعلوم متعددة بحيث تكون له مشاركة طيبة فيها.

3 ـ القراءة ليس فيها تصرّفا في آراء المفسر ولا مساسا بلبنات أفكاره، أما الاختصار ففيه تلك المحاذير كبتر فكرة المفسر وصرفها عن الوجهة التي أرادها، فالمختصِر عليه واجب المحافظة على آراء المفسر بخلاف القارئ.

4 ـ الاختصار يكون حافزا مهما للمختصِر ليستوفي فهم جميع المعاني التي أوردها المفسر في الأصل، فهو أمام مسؤولية كبيرة تجعله مهتما بفهم كل شاردة وواردة في التفسير ليتأكد من صحة اختصاره وعدم إخلاله، بخلاف القارئ فلا يعنيه ذلك.

فهذه بعض الجوانب المميزة بين القارئ والمختصِر، فإذا وجد القارئ من نفسه القدرة على الاختصار مع مراعاة تلك الملاحظات الأساسية وغيرها سواء كان سينفع نفسه بالاختصار أو غيره فهو عمل جيد ومهم وصعب في نفس الوقت، وإذا أتقن مختصَره فلا شك أن الفائدة ستحصل له وستتعدى لغيره، أما إذا أحس من نفسه عدم القدرة على مراعاة تلك الملاحظات فالأفضل أن يكتفي بالقراءة وبتقييد أهم ما فهمه من التفسير بحيث لا يلزم نفسه التكلّف في فهم ما استغلق عليه فيضطر إلى تغيير مراد المفسر أو بتر المعاني التي ساقها بدون قصد منه.

وباختصار، فالاختصار فنّ. وكم من عالِم تخصص في الاختصار فلا تجد له من المؤلفات إلا المختصرات لكتب العلماء.

ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[07 Mar 2009, 07:33 م]ـ

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015