أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)

(سورة البقرة)

{أو كصيب من السماء}: يعني: أو مثلهم كصيب أي: كصاحب صيب من السماء وهو المطر الذي يصوب أي: ينزل بكثرة.

{فيه ظلمات}: ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة المطر.

{ورعد}: وهو الصوت الذي يسمع من السحاب.

{وبرق}: وهو الضوء اللامع المشاهد مع السحاب.

فهكذا حال المنافقين إذا سمعوا القرآن وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده جعلوا أصابعهم في آذانهم وأعرضوا عن أمره ونهيه ووعده ووعيده فيروعهم وعيده وتزعجهم وعوده فهم يعرضون عنها غاية ما يمكنهم ويكرهونها كراهة صاحب الصيب الذي يسمع الرعد فيجعل أصابعه في أذنيه خشية الموت فهذا ربما حصلت له السلامة، وأما المنافقون فأنى لهم السلامة وهو تعالى محيط بهم قدرة وعلما فلا يفوتونه ولا يعجزونه بل يحفظ عليهم أعمالهم ويجازيهم عليها أتم الجزاء.

(و أما قوله تعالى: {يكاد البرق يخطف أبصارهم}: فالمعنى أن خوفهم مما ينزل بهم يكاد يذهب أبصارهم أو أن حجج القرآن و براهينه الساطعة تكاد تبهرهم، و الله أعلم).

{كلما أضاء لهم}: البرق في تلك الظلمات.

{وإذا أظلم عليهم قاموا}: أي: وقفوا.

(و أما قوله تعالى: {كلما أضاء لهم مشوا فيه و إذا أظلم عليهم قاموا}: فالمعنى أن المنافقين كلما صلحت أحوالهم في زروعهم و مواشيهم و توالت النعم عليهم قالوا: دين محمد دين مبارك، و إذا نزلت بهم مصيبة أو أصابتهم شدة سخطوا و ثبتوا على نفاقهم، أو أن المقصود أنهم كلما سمعوا ما نزل من القرآن من الحجج الباهرة اتبعوه و مشوا معه و إذا نزل ما يكرهون أو يتكلفون به رجعوا و ثبتوا على نفاقهم، و الله أعلم).

ولما كانوا مبتلين بالصمم والبكم والعمى المعنوي ومسدودة عليهم طرق الإيمان قال تعالى:

{ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم}: أي: الحسية ففيه تحذير لهم وتخويف بالعقوبة الدنيوية ليحذروا فيرتدعوا عن بعض شرهم ونفاقهم.

{إن الله على كل شيء قدير}: فلا يعجزه شيء ومن قدرته أنه إذا شاء شيئا فعله من غير ممانع ولا معارض.

وفي هذه الآية وما أشبهها رد على القدرية القائلين بأن أفعالهم غير داخلة في قدرة الله تعالى لأن أفعالهم من جملة الأشياء الداخلة في قوله: {إن الله على كل شيء قدير}.

تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن للشيخ السعدي رحمه الله

و الحمد لله رب العالمين

و صلى اللهم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين

ـ[بو عبدالرحمن"]ــــــــ[12 Mar 2009, 09:30 م]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين

و صلى اللهم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين

قال الله تعالى:

وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ (144) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) (سورة آل عمران)

{وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل}: أي: ليس ببدع من الرسل بل هو من جنس الرسل الذين قبله وظيفتهم تبليغ رسالة ربهم وتنفيذ أوامره ليسوا بمخلدين وليس بقاؤهم شرطا في امتثال أوامر الله بل الواجب على الأمم عبادة ربهم في كل وقت وبكل حال ولهذا قال:

{أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم}: بترك ما جاءكم به من إيمان أو جهاد أو غير ذلك.

{ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا}: إنما يضر نفسه وإلا فالله تعالى غني عنه وسيقيم دينه ويعز عباده المؤمنين فلما وبخ تعالى من انقلب على عقبيه مدح من ثبت مع رسوله وامتثل أمر ربه فقال:

{وسيجزي الله الشاكرين}: والشكر لا يكون إلا بالقيام بعبودية الله تعالى على كل حال.

وفي هذه الآية الكريمة إرشاد من الله تعالى لعباده أن يكونوا بحالة لا يزعزعهم عن إيمانهم أو عن بعض لوازمه فقد رئيس ولو عظم وما ذاك إلا بالاستعداد في كل أمر من أمور الدين بعدة أناس من أهل الكفاءة فيه إذا فقد أحدهم قام به غيره وأن يكون عموم المؤمنين قصدهم إقامة دين الله والجهاد عنه بحسب الإمكان لا يكون لهم قصد في رئيس دون رئيس فبهذه الحال يستتب لهم أمرهم وتستقيم أمورهم.

وفي هذه الآية أيضا أعظم دليل على فضيلة الصديق الأكبر أبي بكر وأصحابه الذين قاتلوا المرتدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم هم سادات الشاكرين.

{وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا}: ثم أخبر تعالى أن النفوس جميعها معلقة بآجالها بإذن الله وقدره وقضائه فمن حتم عليه بالقدر أن يموت مات ولو بغير سبب ومن أراد بقاءه فلو وقع من الأسباب كل سبب لم يضره ذلك قبل بلوغ أجله وذلك أن الله قضاه وقدره وكتبه إلى أجل مسمى: {إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}.

ثم أخبر تعالى أنه يعطي الناس من ثواب الدنيا والآخرة ما تعلقت به إراداتهم فقال:

{ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها}: قال الله تعالى: {كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا}.

{وسنجزي الشاكرين}: ولم يذكر جزاءهم ليدل ذلك على كثرته وعظمته وليعلم أن الجزاء على قدر الشكر قلة وكثرة وحسنات

تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن للسعدي رحمه الله

و الله أعلم

و الحمد لله رب العالمين

و صلى اللهم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015