2 - تنوع المعاني: فمثلاً قوله تعالى: (وكأيّن من نبي قُتِلْ) هذه قراءة متواترة (وكأين من نبي قُتِل معه ربيون كثير فما وهنوا لما اصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين) فإذا وقفت على (قُتِل) فالمعنى: قُتل نبيهم، وله أتباع كثير فما ضَعُفوا لقتل نبيهم، وما فتّ ذلك في أعضادهم، بل استمروا على نفس الطريق، وماتوا عليه. وتحتمل معنى آخر على الوصل: (وكأين من نبي قُتِلَ معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم) أي: أن جماعات كثيرة من أتباع هذا النبي قُتِلُوا، أما الأحياء فبقوا صامدين ثابتين لم يفت ذلك في أعضادهم .. لاحظ كيف اختلف المعنى. وعلى القراءة الأخرى المتواترة: (وكأين من نبي قَاتَل معه ِربِّيّون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله) أي من الجراح والقتل والهزيمة وما إلى ذلك. وهناك مثال قد سبق معنا في قوله تعالى: (وقالوا ربُنا باعَد بين أسفارنا) على سبيل الإخبار (وقالوا رَبَّنا باعِد) على سبيل الدعاء .. (وقالوا ربنا بعَّدَ بين أسفارنِا) فالمعاني اختلفت. وهكذا الله عز وجل يقول: (فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) (فبذلك فليفرحوا) بمعنى أهل الإيمان (هو خير مما يجمعون) خير مما يجمع أهل الإشراك .. افرحوا بما أنعم الله عليكم من الإيمان وبفضل الله وبرحمته من بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وإنزال القرآن، وهدايتكم لهذا الدين. وفي القراءة الثانية: (فبذلك فليفرحوا هو خير مما تجمعون) يمكن أن يكون الخطاب لأهل الإيمان .. (هو خير مما تجمعون) فيكون المعنى: أي: خير مما تجمعون يا أهل الإيمان من الدنيا، و يمكن أن يكون الخطاب لأهل الإشراك، فبذلك فليفرح أهل الإيمان، هو خير مما تجمعون أيها الكفار. وفي القراءة الثالثة: (فبذلك فلتفرحوا - يا أهل الإيمان – هو خير مما تجمعون) من الدنيا. فلاحظ المعاني كيف كثرت في هذه القراءات.

خذ مثالاً آخر في تكثير المعاني في قول الله عز وجل عن نوح صلى الله عليه وسلم لما دعا ربه أن ينجي ابنه الذي غرق، قال الله له: (إنه عَمَلٌ غَيرَ صالح) ما هو العمل غير الصالح؟. كثير من المفسرين يقول: المعنى: السؤال يا نوح، أي دعاؤك بنجاة ابنك عمل غير صالح فكيف تطلب نجاة كافر (إنه عمل غير صالح)، والقراءة الثانية (إنه عََمِل غَيرَ صالح) أي أَشْرَكَ، فكيف تسألني نجاته وقد عمل غير صالح فلا يستحق النجاة. لاحظ المعنى كيف اختلف. ومن الأمثلة على تكثير المعاني قوله تعالى: (ولا تقربوهن حتى يَطْهُرن) والقراءة الثانية المتواترة أيضاً: (حتى يطَّهَرن) يعني يتطهرن، فهذا فيه زيادة، وزيادة المبنى لزيادة المعنى، ومعنى (حتى يَطْهُرن) أي بانقطاع الدم , وهل يكفي هذا حتى يأتيها زوجها؟ الجواب: لا، فلابد من شيء آخر وهو الاغتسال من الحيض (حتى يَطَّهرن) فدل ذلك على وجوب الاغتسال من الحيض حتى تكون مباحة لزوجها.

ومن ذلك قول الله عز وجل: (وامسحوا برؤسِكم و أرجلِكمُ) (اغسلوا وجوهكم) منصوبة (وامسحوا برُؤُسِكُم) مجرورة بحرف الباء (وأرْجُلِِكُم) معطوفة على الرأس فالرجل تُغسل، فعلى قراءة الجر هذه يمكن أن يكون فيه إشارة إلى المسح على الخفين؛ لأن الرجل لها حالتان: إما الغسل، أو المسح في حال الجوربين والخفين، والغسل إذا كانت متجردة عنهما , فقراءة (وأرْجُلِِكُم) يمكن أن يستدل بها على المسح على الجوربين والخفين، أما قراءة (وأرْجُلَكُم) فهي معطوفة على المنصوبات التي قبلها (اغسلوا وجوهََكم وأيديًَكم) يعني وأرَجُلَكُم، فجاء بالممسوح الذي هو الرأس بينها مما يدل على اشتراط الترتيب ولولا ذلك لذكر المغسولات سرداً ثم ذكر الممسوح بعدها.

3 - ومن فوائد وحكم القراءات: أنها حفظت لغة العرب؛ ولهذا نجد بعض المواضع في القرآن تأتي الكلمة مرفوعة وفي بعضها منصوبة في بعض الأوجه في القراءات، فهذه على لغة تميم، وتلك على لغة الحجاز وهكذا ...

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015