ـ[محمد رشيد]ــــــــ[28 Feb 2009, 03:46 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وبعد ..
هذه الصفة المعنون بها لهذه الحلقة التربوية، يشهد الله سبحانه كم لها من تأثير في نفسي ـ رغم شح نصيبي منها ـ
حقا .. ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، ولم يؤثر في نفسي ـ أنا الكاتب ـ بالحفظ للخلق الجميل والرفق مثل أناس كانوا رحماء، وكانوا حليمين، فأسروا القلب برحمتهم، التي أرى الحلم لزاما لها .. فإن أدرك المرء ما كانوا يدركونه، علمت قدرهم، وقدر رحمتهم وحلمهم بأخيهم، فجزاهم الله تعالى خير الجزاء.
ولأجل اهتمامي بتلك الصفة السامية، جذب اهتمامي ذلك المقطع الطويل ـ نوعا ـ من الظلال، ففوق توصيفة لتلك الصفة، فإنه يبرز نوعا مواطن رحمة الله سبحانه العبيد، وهي والله ثم والله صفة لو شعرنا بها لتوجهت قلوبنا لمولانا وسيدنا وخالقنا، ولتصورنا حقيقة صفاته سبحانه، لا كدراسات قاسية جدلية لا تربي قلب المؤمن، وإنما تحقيقا للحقيقة الوحيدة التي خلق الله الإنسان لها، وهي حقيقة (العبودية) فاستشعار صفاته سبحانه كما وردت في كتاب الله كخطاب يخاطب به الأمة الإنسانية هو ما يصنع قلب المؤمن حقا ويربيه ..
وأترككم مع المقطع
يقول رحمه الله في الظلال:
(فهو سبحانه المالك، لا ينازعه منازع، ولكنه - فضلاً منه ومنة - كتب على نفسه الرحمة. كتبها بإرادته ومشيئته؛ لا يوجبها عليه موجب؛ ولا يقترحها عليه مقترح؛ ولا يقتضيها منه مقتض – إلا. والرحمة في هذا كله ظاهرة. .
على أن تلمس مواضع رحمة الله ومظاهرها يستغرق الأعمار والأجيال. فما من لحظة إلا وتغمر العباد فيها الرحمة. . إنما ذكرنا الرحمة في الابتلاء بالضراء، لأن هذه هي التي قد تزيغ فيها القلوب والأبصار!
ولن نحاول نحن أن نتقصى مواضع الرحمة الإلهية أو مظاهرها - وإن كنا سنشير إشارة مجملة إلى شيء من ذلك فيما يلي - ولكننا سنحاول أن نقف قليلاً أمام هذا النص القرآني العجيب:
** كتب على نفسه الرحمة}.
وقد تكرر وروده في السورة في موضع آخر سيأتي: ** كتب ربكم على نفسه الرحمة}. .
إن الذي يستوقف النظر في هذا النص هو ذلك التفضل الذي أشرنا من قبل إليه. . تفضل الخالق المالك ذي السلطان القاهر فوق عباده. . تفضله - سبحانه - بأن يجعل رحمته بعباده في هذه الصورة. . مكتوبة عليه. . كتبها هو على نفسه؛ وجعلها عهداً منه لعباده. . بمحض إرادته ومطلق مشيئته. . وهي حقيقة هائلة لا يثبت الكيان البشري لتمليها وتأملها وتذوق وقعها؛ حين يقف لتدبرها في هذه الصورة العجيبة. .
كذلك يستوقف النظر مرة أخرى ذلك التفضل الآخر الذي يتجلى في إخباره لعباده بما كتبه - سبحانه - على نفسه من رحمته. فإن العناية بإبلاغهم هذه الحقيقة هي تفضل آخر، لا يقل عن ذلك التفضل الأول! فمن هم العباد حتى تبلغ العناية بهم أن يبلغوا ما جرت به إرادة الله في الملأ الأعلى؟ وأن يبلغوا بكلمات منه سبحانه يحملها إليهم رسوله؟ من هم؟ إلا أنه الفضل العميم، الفائض من خلق الله الكريم؟!
إن تدبر هذه الحقيقة على هذا النحو ليدع القلب في عجب وفي دهش؛ كما يدعه في أنس وفي روْح لا تبلغ الكلمات أن تصور جوانبه وحواشيه!
ومثل هذه الحقائق، وما تثيره في القلب من مشاعر؛ ليس موكولاً إلى التعبير البشري ليبلغ شيئاً في تصويره؛ وإن كان القلب البشري مهيأ لتذوقه، لا لتعريفه!
وتمثل هذه الحقيقة في التصور الإسلامي يكوّن جانباً أساسياً من تصور حقيقة الألوهية، وعلاقة العباد بها. . وهو تصوّر جميل مطمئن ودود لطيف. يعجب الإنسان معه لمناكيد الخلق الذين يتقولون على التصور الإسلامي في هذا الجانب، لأنه لا يقول ببنوة أحد من عباد الله لله! - على نحو ما تقول التصورات الكنسية المحرفة - فالتصور الإسلامي إذ يرتفع على هذه التصورات الصبيانية الطفولية، يبلغ في الوقت ذاته من تصوير العلاقة الرحيمة بين الله وعباده هذا المستوى الذي يعجز التعبير البشري عن وصفه. والذي يترع القلب بحلاوة مذاقه، كما يروعه بجلال إيقاعه. .
¥