في الحبشة والصومال واريتريا والجزائر، ويتعاونون في هذا التشريد مع الإلحاد والمادية والوثنية، في يوغسلافيا والصين والتركستان والهند، وفي كل مكان!

ثم يظهر بيننا من يظن - في بعد كامل عن تقريرات القرآن الجازمة - أنه يمكن أن يقوم بيننا وبين أهل الكتاب هؤلاء ولاء وتناصر. ندفع به المادية الإلحادية عن الدين!

إن هؤلاء لا يقرأون القرآن. وإذا قرأوه اختلطت عليهم دعوة السماحة التي هي طابع الإسلام؛ فظنوها دعوة الولاء الذي يحذر منه القرآن.

إن هؤلاء لا يعيش الإسلام في حسهم، لا بوصفه عقيدة لا يقبل الله من الناس غيرها، ولا بوصفه حركة إيجابية تستهدف إنشاء واقع جديد في الأرض؛ تقف في وجه عداوات أهل الكتاب اليوم، كما وقفت له بالأمس. الموقف الذي لا يمكن تبديله. لأنه الموقف الطبيعي الوحيد!

وندع هؤلاء في إغفالهم أو غفلتهم عن التوجيه القرآني، لنعي نحن هذا التوجيه القرآني الصريح:

(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء. . بعضهم أولياء بعض. . ومن يتولهم منكم فإنه منهم. إن الله لا يهدي القوم الظالمين}. .)

وفي الظلال كذلك:

(وتشي هذه الحملة الضخمة المنوعة الإيماءات والإيحاءات والأساليب والإشارات، بما كان واقعاً في حياة الجماعة المسلمة من خطورة تميع العلاقات بين أفراد من المعسكر المسلم وأقربائهم وأصدقائهم وعملائهم في مكة مع المشركين وفي المدينة مع اليهود. تحت دوافع القرابة أو التجارة. . على حين يريد الإسلام أن يقيم أساس المجتمع المسلم الجديد على قاعدة العقيدة وحدها، وعلى قاعدة المنهج المنبثق من هذه العقيدة. . الأمر الذي لا يسمح الإسلام فيه بالتميع والأرجحة إطلاقاً. .

كذلك يشي بحاجة القلب البشري في كل حين إلى الجهد الناصب للتخلص من هذه الأوهاق، والتحرر من تلك القيود، والفرار إلى الله والارتباط بمنهجه دون سواه.

والإسلام لا يمنع أن يعامل المسلم بالحسنى من لا يحاربه في دينه، ولو كان على غير دينه. . ولكن الولاء شيء آخر غير المعاملة بالحسنى. الولاء ارتباط وتناصر وتواد. وهذا لا يكون - في قلب يؤمن بالله حقاً - إلا للمؤمنين الذين يرتبطون معه في الله؛ ويخضعون معه لمنهجه في الحياة؛ ويتحاكمون إلى كتابه في طاعة واتباع واستسلام.

وأخيراً يجيء ختام هذا الدرس قوياً حازما، حاسماً في القضية التي يعالجها، والتي تمثل أكبر الخطوط العريضة الأساسية في السورة. يجيء ليقرر في كلمات قصيرة حقيقة الإيمان، وحقيقة الدين. ويفرق تفريق حاسماً بين الإيمان والكفر في جلاء لا يحتمل الشبهات:

(قل: إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم. قل: أطيعوا الله والرسول: فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين}. .

إن حب الله ليس دعوى باللسان، ولا هياماً بالوجدان، إلا أن يصاحبه الاتباع لرسول الله، والسير على هداه، وتحقيق منهجه في الحياة. . وإن الإيمان ليس كلمات تقال، ولا مشاعر تجيش، ولا شعائر تقام. ولكنه طاعة لله والرسول، وعمل بمنهج الله الذي يحمله الرسول. .

يقول الإمام ابن كثير في التفسير عن الآية الأولى: «هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية. فإنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأعماله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ".)

وفي الظلال:

(ثم يربي القرآن وعي المسلم بحقيقة أعدائه، وحقيقة المعركة التي يخوضها معهم ويخوضونها معه. إنها معركة العقيدة. فالعقيدة هي القضية القائمة بين المسلم وكل أعدائه. . وهم يعادونه لعقيدته ودينه، قبل أي شيء آخر، وهم يعادونه هذا العداء الذي لا يهدأ لأنهم هم فاسقون عن دين الله، ومن ثم يكرهون كل من يستقيم على دين الله: (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله، وما أنزل إلينا، وما أنزل من قبل. وأن أكثركم فاسقون؟؟} فهذه هي العقدة؛ وهذه هي الدوافع الأصيلة!

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015