نزلت لتقرر أولا أن ما لم يحرم لا يحرم ; وأن التحريم يبدأ من النص لا قبله ; وأنه لا يحرم بأثر رجعي ; فلا عقوبة إلا بنص ; سواء في الدنيا أو في الآخرة ; لأن النص هو الذي ينشى ء الحكم. . والذين ماتوا والخمر في بطونهم , وهي لم تحرم بعد , ليس عليهم جناح ; فإنهم لم يتناولوا محرما ; ولم يرتكبوا معصية. . لقدكانوا يخافون الله ويعملون الصالحات ويراقبون الله ويعلمون أنه مطلع على نواياهم وأعمالهم. . ومن كانت هذه حاله لا يتناول محرما ولا يرتكب معصية.

ولا نريد أن ندخل بهذه المناسبة في الجدل الذي أثاره المعتزلة حول الحكم بأن الخمر رجس: هل هو ناشى ء عن أمر الشارع - سبحانه - بتحريمها , أم إنه ناشى ء عن صفة ملازمة للخمر في ذاتها. وهل المحرمات محرمات لصفة ملازمة لها , أم إن هذه الصفة تلزمها من التحريم. . فهو جدل عقيم في نظرنا وغريب على الحس الإسلامي!. . والله حين يحرم شيئا يعلم - سبحانه - لم حرمه. سواء ذكر سبب التحريم أو لم يذكر. وسواء كان التحريم لصفة ثابتة في المحرم , أو لعلة تتعلق بمن يتناوله من ناحية ذاته , أو من ناحية مصلحة الجماعة. . فالله سبحانه هو الذي يعلم الأمر كله ; والطاعة لأمره واجبة , والجدل بعد ذلك لا يمثل حاجة واقعية. والواقعية هي طابع هذا المنهج الرباني. . ولا يقولن أحد: إذا كان التحريم لصفة ثابتة في المحرم فكيف أبيح إذن قبل تحريمه!! فلا بد أن لله - سبحانه - حكمة في تركه فترة بلا تحريم. ومرد الأمر كله إلى الله. وهذا مقتضى ألوهيته - سبحانه - واستحسان الإنسان أو استقباحه ليس هو الحكم في الأمر ; وما يراه علة قد لا يكون هو العلة.والأدب مع الله يقتضي تلقي أحكامه بالقبول والتنفيذ , سواء عرفت حكمتها أو علتها أم ظلت خافية. . والله يعلم وأنتم لا تعلمون.

إن العمل بشريعة الله يجب أن يقوم ابتداء على العبودية. . على الطاعة لله إظهارا للعبودية له سبحانه. . فهذا هو الإسلام - بمعنى الاستسلام. . وبعد الطاعة يجوز للعقل البشري أن يتلمس حكمة الله - بقدر ما يستطيع - فيما أمر الله به أو نهى عنه - سواء بين الله حكمته أم لم يبينها , وسواء أدركها العقل البشري أم لم يدركها - فالحكم في استحسان شريعة الله في أمر من الأمور ليس هو الإنسان! إنما الحكم هو الله. فإذا أمر الله أو نهى فقد انتهى الجدل ولزم الأمر أو النهي. . فأما إذا ترك الحكم للعقل البشري فمعنى ذلك أن الناس هم المرجع الأخير في شرع الله. . فأين مكان الألوهية إذن وأين مكان العبودية؟)

ويقول كذلك ـ قطب ـ رحمه الله:

(لقد كان هذا القرآن ينشئ أمة جديدة. ينشئها من المجموعات المسلمة التي التقطها الإسلام من سفوح الجاهلية التي كانت تهيم فيها؛ ليأخذ بيدها في المرتقى الصاعد، إلى القمة السامقة؛ وليسلمها - بعد أن تكمل نشأتها - قيادة البشرية؛ ويحدد لها دورها الضخم في هذه القيادة. .

ومن بين عوامل البناء تطهير ضمائر هذه الجماعة؛ وتطهير جو المجتمع الذي تعيش فيه؛ ورفع المستوى الخلقي والنفسي الذي تستوي عليه.

وحينما بلغت تلك الجماعة هذا المستوى؛ تفوقت في أخلاقها الفردية والاجتماعية؛ بقدر تفوقها في تصورها الاعتقادي؛ على سائر أهل الأرض. . وعندئذ صنع الله بها في الأرض ما قدر أن يصنعه؛ وأقامها حارسة لدينه ومنهجه؛ وقائدة للبشرية الضالة إلى النور والهدى؛ وأمينة على قيادة البشرية وإرشادها. .

وحينما تفوقت في هذه الخصائص تفوقت على كل أهل الأرض؛ فكانت قيادتها للبشرية أمراً طبيعياً وفطرياً؛ وقائماً على أسسه الصحيحة. . ومن هذا الوضع الممتاز تفوقت كذلك في العلم والحضارة والاقتصاد والسياسة. وكان هذا التفوق الأخير ثمرة للتفوق الأول في المستوى الاعتقادي والأخلاقي. وهذه هي سنة الله في الأفراد والجماعات.)

ـ[محمد بن عيد الشعباني]ــــــــ[09 May 2010, 07:49 م]ـ

لعل اطلاعكم على هذه المناقشات من خلال تلك الروابط يفيدكم:

http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?p=102131&posted=1#post102131

http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=18554&highlight=%Cصلى الله عليه وسلم%صلى الله عليه وسلم6%C7%عز وجل8%عز وجل1+%صلى الله عليه وسلم3%صلى الله عليه وسلم4%Cصلى الله عليه وسلم%عز وجلصلى الله عليه وسلم%C7%C9

http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=14923

وفقنا الله وإياكم لكل خير.

ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[09 May 2010, 09:12 م]ـ

رحم الله سيد قطب رحمة واسعة ورفع درجته في عليين وألحقه بالمنعم عليهم من النبيين والصدقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

عجبي لا ينقطع من الذين يقولون: إن سيد لم يكن عالما ولا فقهيا

ـ[محمد بن عيد الشعباني]ــــــــ[09 May 2010, 09:15 م]ـ

رعجبي لا ينقطع من الذين يقولون: إن سيد لم يكن عالما ولا فقهيا

قال ذلك مفتي المملكة والحويني حفظهما الله والألباني وابن باز رحمهما الله ويقوله كل عالم منصف يغار على العلم وأهله.

فالقصد القصد وفقكم الله وبارك فيكم.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015