وما علم الباحث أن لهدهد من الهداهيد اسماً ولا لنملة من النمل ولا لذئب من الذئاب ولا لعصا من العصي، وما فائدة تتبع أسماء الأشخاص الذين أبهمهم الله في القرآن دون أن يُحدِث ذلك الإبهام خللاً في أغراض الكلام، ومعلوم أن الله لو أراد ذكرهم لفعل؛ فما فائدة استمداد أسمائهم من مصادر غير موثوقة ابتداء.
ولولع القصّاص الشديد بذكر هذه الأسماء فقد بالغ أبا علقمة القاص – كما ذكر الجاحظ - فذكر في قصصه أن الذئب الذي أكل يوسف عليه السلام كان يسمى حجوناً؛ وذلك حتى يظهر للناس معرفته بدقائق العلم كما يرى، فقيل له: سبحان الله!، ولكن الذئب لم يأكل يوسف عليه السلام، فأحرج وأخذ يفكر في طريقة تخرجه من المأزق؛ فقال: نعم نعم؛ هذا اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف عليه السلام
رابعا: الذين اشتهروا برواية الإسرائيليات:
من التابعين الذين اشتهروا برواية الإسرائيليات كعب الأحبار، وأصله من يهود اليمن، أسلم في خلافة أبى بكر، وقيل: في خلافة عمر، وقيل: إنه أسلم في عهد النبي ((صلى الله عليه وسلم)) وتأخرت هجرته، وقد مات كعب بحمص سنة 32 هـ وقد بلغ مائة وأربعين سنة ولو افترضنا أنه أسلم في تلك السنة التي توفي فيها رسول الله ((صلى الله عليه وسلم)) على الأكثر - وهي سنة إحدى عشرة للهجرة - فإن عمره حين أسلم كان ما يقارب المائة وعشرين سنة أي كان شيخاً عجوزاً جدا وكانت تعاليمه شفهية، ورجل بهذه السن - وإن كان عالماً كبيراً ككعب هذا - لا يمكن أن يقارن بين ما عنده من علم وبين القرآن حتى يميز الحق من بين الباطل، وإنما كان يحكي للناس ما عرفه في شبابه فحسب، ولكن لم يرد عنه أنه حاول تفسير القرآن بالإسرائيليات – وإن ورد إنه كان يبرر هذه الإسرائيليات بالقرآن أحيانا كما سبق - إلا أن من جاءوا بعده قد حاولوا ذلك بأقواله بل وزادوا عليها مما نسجوه من قصص خرافية.
وكعب وإن لم يقارن بين ما عنده وبين القرآن؛ إلا أنه كما يبدو كان ناقدا متميزا للإسرائيليات في أنفسها قبل شيخوخته وكان له ذوق في معرفة صحيحها من سقيمها فلما أسلم أظهر للناس هذا النقد؛ ولذلك مدحه أبو الدرداء بأن له علماً كثيراً وشبه معاوية رضي الله عنه علمه بالثمار ولهذا روى عنه أبو هريرة ومعاوية، ومعلوم أن رواية الصحابي للتابعي عزيزة ونادرة جداً، وقد كان كعب أيضاً يناظر اليهود ويلزمهم الحجة، وقد أورد الذهبي قصة تدل على ذلك؛ إذ ناظر أربعين عالماً يهودياً في مرة واحدة فأفحمهم، وليس ذلك فحسب بل بكى بعضهم وسجد بعضهم
أما تابعي التابعين الذين رووا هذه الإسرائيليات واشتهروا بذلك فليس فيهم من يُوثق به؛ إذ فيهم من الصفات الكثيرة التي توجب ردّ رواياتهم؛ وهم:
(أ) محمد بن السائب الكلبي ت 146 هـ:
كان الكلبي يهودي النزعة، وهو من أتباع عبد الله بن سبأ، والسبيئة اشتهروا بالكذب، وكان الإمام الثوري يحذر منه فهو كذاب ساقط، والعلماء مجتمعون على ترك حديثه قلا يشتغلون به، وكانوا يرون أنه يزرف يعنى: يكذب؛ قال مروان بن محمد تفسير الكلبي باطل، وقال عنه يحيى بن معين: ليس بشيء، وكان سفيان الثوري يقول عجبا لمن يروى عن الكلبي، وقد اعترف الكلبي للثوري بأنه يكذب إذا حدث عن أبى صالح عن ابن عباس وكان الكلبي يروي عن ابن عباس وهو لم يسمع منه؛ ولهذا قيل (إن أوهى طريق عن ابن عباس في رواية تفسير القرآن عن طريق الكلبي عن ابن صالح فإذا انضم إليه رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب)، وقال ليث بن أبي سليم كان بالكوفة كذابان أحدهما الكلبي والآخر السدي الصغير
(ب) وهب بن منبه:
أصله من أبناء الفرس الذين بعث بهم كسرى إلى اليمن، وهو مؤرخ كثير الإخبار عن الكتب القديمة، وكان يحدث بأخبار الأوائل وقيام الدنيا وأحوال الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه، وسير الملوك وأساطير الأولين ولا سيما الإسرائيليات وكان يقول: سمعت اثنين وتسعين كتابا كلها أنزلت من السماء، اثنان وسبعون منها في الكنائس، وعشرون في أيدي الناس لا يعلمها إلا قليل، ومن كتبه " ذكر الملوك المتوجة من حمير وأخبارهم وقصصهم وقبورهم وأشعارهم "و " قصص الأنبياء " و " قصص الأخيار " وذكر الدار قطني أن وهب بن منبه متروك، وقال البخاري ومسلم وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال أبو عروبة الحراني: كان يضع
¥