ومن ذلك ما ذكر في تفسير قوله تعالى عن إدريس: (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) من أنه جاءه ملك الموت ليصحبه فلما عرفه إدريس طلب منه أن يأخذ روحه ليذوق كرب الموت؛ فقبضها وردها بعد ساعة، ثم طلب منه أن يرفعه لينظر إلى الجنة والنار، فرفعه وفتحت له أبواب النار حتى رآها، ولما دخل الجنة تمسك بشجرة من أشجارها وأبى أن يخرج منها وطالت مطالبة الملك له؛ فبعث الله ملكاً حكيماً فسأله فقال: مالك لا تخرج؟! فقال: أما الموت الذي ذكر الله أن كل نفس ذائقة له فقد ذقته، وأما الخروج فقد قال تعالى: (وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ) فذلك هو المكان العلي الذي رفع الله فيه إدريس، ومن ذلك أيضاً ما ذهب إليه كعب الأحبار من أن الله قد خلق ياقوتة خضراء ثم نظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها ثم وضع على ذلك عرشه
(و) سوء الأدب مع الله والطعن في أنبيائه:
من سمات الإسرائيليات أنها تشتمل على سوء الأدب مع الله والطعن في الأنبياء والرسل، وهذا كما يبدو دأب في بني إسرائيل قديم، وقد حكى الله عنهم مثل ذلك؛ إذ قالوا لموسى - كما حكى عنهم القرآن-: (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) وكذلك قالوا: (يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ) وقالوا: (إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء) وذكر القرآن أنهم آذوا موسى بأقوالهم الشنيعة عنه، ولأجل ذلك فلا غرو أن تتسرب مثل هذه الأقوال إلى كتبهم المحرفة؛ ومن ذلك قولهم في سفر التكوين إن الله لما خلق الخلق في ستة أيام استراح من عمله في اليوم السابع وقد رد عليهم القرآن بقوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ) أي:لم يتعب ومثله قوله: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ) واللغوب: التعب أيضاً.
وجاء في التوراة أيضا أن آدم لما أكل من الشجرة اختبأ في الجنة لما سمع صوت الرب ماشيا عند هبوب ريح النهار؛ فناداه الرب أين أنت؟
وكما أساءت الإسرائيليات الأدب مع الله فهي كذلك قد طعنت في الأنبياء، وحاولت تشويه صورهم، ومن ذلك ما ذُكر عن داود عليه السلام في تفسير قوله تعالى: (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ) من أن داود قد أخذ الزبور ودخل المحراب ومنع من الدخول عليه، فبينا هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر كأحسن ما يكون الطير؛ فهمّ أن يأخذه لابنه الصغير؛ فوقع في كوة المحراب، فدنا منه ليأخذه فطار، فأبصر داود امرأة تغتسل، فلما رأته غطت جسدها بشعرها؛ قال السدي الصغير: فوقعت في قلبه وكان زوجها غازيا في سبيل الله وهو أوريا بن حنان، فكتب داود إلى أمير الغزاة أن يجعل زوجها في حملة التابوت، وكان حملة التابوت إما أن يفتح الله عليهم أو يُقتلوا، فقدّمه فيهم فقُتل، فلما انقضت عدتها خطبها داود
ومن ذلك أيضاً ما روي عن موسى أنه لما خرّ صعقاً أخذت الملائكة تركله بأرجلها وتلعنه وتقول: (يا ابن النساء الحيض أطمعت في رؤية رب العزة؟)
ومن ذلك أيضاً ما ذكر عن يوسف عليه السلام بأنه عندما دخل عليه أبوه لم يقف احتراماً له؛ فقال له الله تعالى: (وعزتي لا أخرج من صلبك نبياً) فلم يكن نبي من عقبه
(ز) الاهتمام بالتفاصيل التي لا فائدة فيها:
اهتمت الإسرائيليات بالتفاصيل الدقيقة التي لا فائدة من ذكرها؛ نحو أسماء الحيوانات والعفاريت والأشخاص، ومعلوم أن القرآن كثيراً ما يُبهم ويُجمل؛ إذ أن أسماء الحيوانات والأشخاص تكون غير ضرورية؛ إذ تؤدي القصة أغراضها دون الحاجة إلى ذلك، إلا أن بعض القصّاص والمفسرين يعمدون إلى هذه الإسرائيليات يستخرجون منها أسماء الحيوانات والأشخاص، ومن ذلك أنهم ذهبوا إلى اسم أم موسى هو يوحانذ بنت بصير بن لاوي. وقيل: ياوخا. وقيل: بارخت. وأن اسم امرأة نوح هو (والغة) وان اسم امرأة لوط هو (والهة)
وأن نملة سليمان كانت تسمى خرميا وقيل طاخية وقيل عيجلوف ونحوه. وأن اسم هدهد سليمان هو عنبر وأن اسم عصا موسى هو (نفعة) ونحو ذلك.
¥