وقد استخدم هذا المنهج بعض الصحابة رضوان الله عليهم؛ لعلمهم بأن كتاب الله تعالى غني عما سواه من الكتب السابقة التي حرفت وبدلت، كما علموا أن أحكام تلك الكتب السابقة - ولو لم تحرف فرضا - لم تعد صالحة لأمة أخرى ولزمان آخر؛ إذ أن موسى عليه السلام نفسه لو شهد زمان النبي ((صلى الله عليه وسلم)) لترك رسالته واتبع دين محمد ((صلى الله عليه وسلم)) دون سواه، ولهذا لم يقبلوا أي أمر من تلك الكتب إلا من خلال القرآن والسنة، وتثبّتوا في رواية ذلك كل التثبّت، وقد طالب عمر بن الخطاب أبي بن كعب ببينة على ما روى حتى شهد له بعض الأنصار أنهم قد سمعوا ذلك من رسول الله ((صلى الله عليه وسلم))؛ فقال عمر- كما روى أحمد-: (إني لم أتهمك ولكن أردت أن أتثبّت) وليس ذلك فحسب بل لما أكثر كعب الأحبار الرواية عن بني إسرائيل هدّده عمر بن الخطاب؛ فقال: (لتتركن الحديث عن الأُوَل أو لألحقنّك بأرض القردة) وقد حاول تميم الداري رضي الله عنه - وقد كان قبل إسلامه من علماء النصارى – أن يقص في زمان عمر بن الخطاب فرفض عمر بن الخطاب ذلك سنين طويلة، فلما أكثر عليه سأله عمر – خشية من إيراد الإسرائيليات - فقال: ما تقول؟ قال: أقرأ عليهم القرآن وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر، فقال: عمر ذلك الربح
(ب) المنهج النقدي:
وهو منهج ابن عباس وأبي هريرة ومعاوية، وقد ورد أنهم كانوا مهتمين بالأخبار الإسرائيلية؛ إذ كانوا يسمعون من كعب الأحبار وعبد الله بن سلام رضي الله عنه، ولكن لم يكن سماعهم تلق مجرداً؛ بل كان لهم منهج نقدي متميّز يصحّح هذه الأخبار، وقد قال ((صلى الله عليه وسلم)) عن يوم الجمعة: (فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ ((صلى الله عليه وسلم)) بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا) - كما روى مالك والبخاري والنسائي وابن ماجة وأحمد- فقال كعب: هي جمعة واحدة في السنة؛ فردّ عليه أبو هريرة وذكر له أن السياق يدل على العموم وليس المقصود جمعة خاصة؛ فتراجع كعب، وقال عبد الله بن سلام - كما روى مالك- بأنها: آخر ساعة في الجمعة؛ فرد أبو هريرة بأن: آخر ساعة لا صلاة فيها وقد قال ((صلى الله عليه وسلم)) (قائم يصلي). وذهب ابن كثير إلى كعب الأحبار قد زعم أن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا؛ فأنكر عليه معاوية ذلك، وقال: (أنت تقول إن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا؟ فقال له كعب: إن كنت قلت ذلك فإن الله قال: "وآتيناه من كل شيء سببا) فقال معاوية عن كعب: (إِنْ كَانَ مِنْ أَصْدَقِ هَؤُلَاءِ الْمُحَدِّثِينَ الَّذِينَ يُحَدِّثُونَ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِنْ كُنَّا مَعَ ذَلِكَ لَنَبْلُو عَلَيْهِ الْكَذِبَ) وكلام كعب بعيد كل البعد؛ ووجه الإشكال عنده أنه ربط بين معنى عام في الآية وقصة خرافية في كتب اليهود؛ يقول ابن كثبر: (وتأويل كعب قول الله "وآتيناه من كل شيء سببا" واستشهاده في ذلك على ما يجده في صحفه من أنه كان يربط خيله بالثريا غير صحيح ولا مطابق؛ فإنه لا سبيل للبشر إلى شيء من ذلك ولا إلى الترقي في أسباب السموات، وقد قال الله في حق بلقيس "وأوتيت من كل شيء" أي: مما يؤتى مثلها من الملوك، وهكذا ذو القرنين يسر الله له الأسباب؛ أي: الطرق والوسائل إلى فتح الأقاليم والبلاد والأراضي وكسر الأعداء وكبت ملوك الأرض وإذلال أهل الشرك أي أوتي سببا من كل شيء مما يحتاج إليه مثله)
(ج) منهج المناظرة:
وهو المنهج الذي اتخذه عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وقد كان عالماً كبيراً بالتوراة، ومعلوم أنه كان من الصحابة المبشّرين بالجنة، وكان يلزم اليهود الحجة بما في كتبهم ولذلك شواهد كثيرة، ولم يكن يرّوج الإسرائيليات بين المسلمين إطلاقاً كما كان يفعل كعب الأحبار
¥