والمقصود: أن تفسير الآية موضع خلاف لا موضع إجماع؛ وكيف يكون الخلاف "إجماعا" في صورة من الصور؟؟
ولعلك أردتَ أن الخلاف الذي وقع بينهم لا يخرج عن الأقوال المذكورة، وكلها مما يذهب أصحابها إلى أنها مما مرّ قبل الإسلام، على خلاف في التحديد؟
والذي يتوجّه عليك عند هذا سؤالٌ، بيانه:
أنّ مثل هذا "الخلاف" الذي ادّعيته "إجماعاً"؛ هل ينهض للاحتجاج القطعي الذي لا تجوز مخالفته؟
أقول: في هذه المسألة خلاف بين الأصوليين، فبعضهم اعتبره إجماعاً؛ بحيث لم يجيزوا الخروج عن مجموع هذه الأقوال، ويبقى التّخيّر بينها.
وذهب آخرون إلى أنه ليس كذلك، وأنه لا يمكن للخلاف أن يكون إجماعاً.
والوجه:
أن مثل هذا "الخلاف الإجماعي" ليس "إجماعاً" حقيقة، بل إن في إطلاق الإجماع عليه نوعُ تجوّز!!
وهذا تقرير الخلاف في هذه المسألة.
فإن أخذتَ بقول أخذنا بالثاني، والأمر قد اختلف فيه أكابر الأئمة، وما وسع أولئك الكبار يسعنا!!
على أيّ حال؛ فإن المقصود ههنا مرّة أخرى: إثبات أن الأمر فيه فسحة في قبول الخلاف في تفسير هذه الآيات، وكونها ليست قطعية يجب التزام قول معيّن فيها.
حتى إذا قرّرتُ جواز الخلاف في تفسير الآية، وبيّنت أنها من المسائل التي هي محلّ النظر والتدبر يجدر أن أشير إلى أن ثمّة ما يضعّف تفسير المتقدمين لهذه الآيات، ويدلّ على ما ذهب إليه جمهور المعاصرين من المفسرين مما عزوتَه إلى الشيخ الشعراوي والدكتور المغامسي.
وقد نصّ هؤلاء على مآخذهم في قولهم وأدلّتهم فيه؛ فلتُنظر، وليُرجع إليها.
فإن الحجّة بقول الله، وبقول رسوله صلّى الله عليه وسلّم لا بقول أحد آخر.
كما أنني أجد المقام يوجب أن أذكّر بأنّ ترك قول المتقدّمين إلى قول المعاصرين ليس تقليلا من شأن المتقدمين، ولا زعماً بأن المتأخرين أكثر علماً منهم! وكيف يكون ذلك تقليلاً من شأنهم وقد اتفق أهل العلم على جواز ترك قول الفاضل إلى المفضول إذا اقتضى الدليل ذلك.
خصوصاً، وأن قدماء المفسرين اعتبروا معطيات عصرهم من ذلّة اليهود وضعفهم، ولم يكن ليخطر ببال أحدٍ منهم إمكان دول الدولة لهم على المسلمين.
ثم إن من الغريب – فعلا – أنك اعتبرت السياق عاضداً لما انتصرت له، على الرغم من وضوح دلالته على قول المتأخرين، ومطابقته الشديدة له، وشهادة التاريخ كذلك.
وإذا اتّسع وقتي أعود لأبيّن طرفاً مما فتح الله به في تفسيرها، إن شاء الله تعالى.
لكن مقصودي من مداخلتي هذه، التدليل على كون المسألة محل اجتهاد لا قطع.
لكن لي تعقيبا على وقفتك مع حال إخواننا في غزة الذي ختمت به كلامك وفقك الله ...
ذلك أني لمست شيئا من التعريض بإخوانك، مما قد أسميته ميلا إلى الروافض وموالاتهم والبدع ...
ولن أقف مع هذا الأمر، ولا أحسب أن هذا الملتقى العلمي معدٌّ لمثل هذه النزاعات، ولن أناقش في هذه المسألة ههنا.
لكنني لم أجد من اللائق أن تحمل ما يتعرّض له الأهل بغزة في سبيل الله وبتمسّكهم بخيار الإسلام، أن تجعله مما جَنَتْه أيديهم من ترك أمر الله، والابتداع وموالاة الروافض.
وهل حوصر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالشِّعب ثلاثا من السنوات بسبب ذلك؟
وهل يضيّق على المؤمن ويعادى في دينه بسبب ذلك؟؟ أم أنه يبتلى ويُختبر ثباته، ويمتحن في ادعائه الإسلام؟
(أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون)، وقال تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وبشر الصابرين)
قد وقع في قلبي أن ادّعاء ما يُصيبهم في سبيل الله هو بسبب ذنوبهم ضربٌ من التألّي على الله!! يستلزم الرجوع والاستغفار!!
[/ size][/font]
ـ[أحمد الفقيه]ــــــــ[12 Feb 2009, 08:36 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الفاضل كنت أتمنى أن توثق ماذكرت من كلام للشيخ صالح برابط صوتي إذا كانت مسجلة لديك ليتأكد المشايخ من كلام الشيخ صالح حفظكما الله جميعا وسدد خطاكم
ثم أليس من الأفضل والأولى بين طلبة العلم هو مناقشة المسائل العلمية بينهم قبل نشرها على العامة أمثالي فالشيخ صالح حي يرزق وعنوانه منتشر في الأنترنت فليتك اتصلت به أو راسلته قبل تحرير المسألة فلربما لديه ما يقوله في هذا الأمر ..
¥