"والدين: حقيقته في الاصل الجزاء، ثم صار حقيقة عرفية يطلق على مجموع عقائد وأعمال يلقنها رسول من عند الله ويعد العاملين بها بالنعم والمعرضين بالعقاب. ثم اطلق على ما يشبه ذلك مما يضعه زعماء الناس من تلقاء عقله فتلتزمه طائفة من الناس. وسمي الدين لانه يترقب منه متبعه الجزاء عاجلا او آجلا. فما من اهل دين الا وهم يترقبون جزاء من رب ذلك الدين ... وقد عرف العلماء الدين الصحيح بانه "وضع الهي سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود الى الخير باطنا وظاهرا" [14]

الدين الملة:

بينما يتفق ابن عطية مع بقية المفسرين في كون لفظ الدين يدل على الجزاء الا انه يظيف ان الدين كما يدل على الجزاء فانه كذلك ييتعمل ليدل على الملة. ولفظ الملة له استعمالات مترادفة مع استعمالات لفظ الشريعة [15] والدين على ان الفرق بين الملة والدين يكمن في كون الملة هي الاسم الذي يستعمل لوصف الشريعة بينما يستعمل الدين لوصف حال الافراد المتبعين لتلك الملة والشريعة. يقول صاحب تاج العروس:

المِلَّةُ بالكسْرِ الشريعَةُ أَو الدِّينُ كمِلَّةِ الإسلامِ والنَّصرانِيَّةِ واليَهودِيَّةِ وقيل هي مُعظَمُ الدِّينِ وجُملَةُ ما يجيءُ به الرُّسُلُ ... والفرقُ بينَها وبينَ الدِّينِ إنَّ المِلَّةَ لا تُضافُ إلاّ للنَّبِيِّ الذي تستنِدُ إليه ولا تكادُ توجَدُ مُضافَةً إلاّ إلى الله تعالى ولا إلى آحادِ الأُمَّةِ ولا تَستعمَلُ إلاّ في جُملَةِ الشَّرائعِ دونَ آحادِها." [16]

يجلب التفريق بين كلمة الدين والملة احد السمات المهمة في دلالة لفظ الدين وهي الطابع الفردي للفظ الدين مقابل الطابع الجماعي للفظ الملة ومهم التنبيه هنا الاشتراك بين لفظ رولجيون ولفظ ملة في هذه السمة اذ تطلق كلمة رولجيون على المجموعة العقائدية بشكل يشابه استعمال لفظ الملة بينما لا ينطبق هذا على لفظ الدين الذي يغلب عليه الطابع الفردي ولعل هذا راجع الى السمة التشريعية لهذا اللفظ وهي سمة تسند الاعمال الى الفاعلين المتسببن بها لا الى المجموعات على اختلاف اعمالهم.

الدين كدين:

هناك العديد من السياقات الواردة في القران يصعب فيها ترجمة كلمة الدين الى كلمة بديلة او تعويضها بكلمة تحمل دلالة مشتركة. ولذلك فان فهمها وادراك استعمالها يكون من خلال مجموع الدلالات المذكورة اعلاه لا واحدة منها

عادات القران في استعماله لكلمة الدين:

يعتبر الامار الفخر الرازي من اول علماء المسلمين الذين انتبهوا او نبهوا الى وجود عادات للقران والقصد بهذه العادات هي عاداته في الخطاب وقد نبه الامام الطاهر بن عاشور في مقدماته للتحرير والتنوير على وجود هذه العادات. ويمكن من خلال العرض السابق الانتباه الى الاستعمالات الجديدة الخاصة بالنص القراني في استعماله لكلمة الدين. ومهم الاشارة الى الحاجة الى معرفة عادات المتحدث في الحديث من اجل ادراك افضل لمعانيه التي ريد التدليل عليها ومقاصده من الكلام. وذلك انه كما ان لكل مجموعة بشرية عادات في استعمال الاصوات والاشكال للتعبير عن معاني ومقاصد فان للافراد داخل تلك المجموعات عادات لا تخالف الاطار العام ولكنها خاصة بالمتحدث او بالفئة او حتى بالمهنة والصنعة التي ينتمي اليها المتحدث ومعرفة عادات المتحدث مهمة للتواصل معه ولفهم خطابه كما ان مراعات المخاطب عادات الجمهور المستمع مهمة كي يكون قادرا على التبليغ. ولا يخرج النص القراني عموما عن هذه الالية وهو في استعماله لكلمة الدين له عادات يمكن استخراجها استنباطا.

وقد سبق ان بين الامام بن عاشور ان الانسب في فهم النص القراني هو استخراج كل المعاني الممكنة التي يمكن ان عليها عليها النص ما احتملتها قواعد اللغة العربية واساليبها ويبدو ان كلمة الدين بما تتمز به من قدرة على الاشارة الى عدد واسع من المعاني لفظ مناسب ومستجيب لحاجة النص القراني في الاشارة الى المعاني التي يقصدها من خطابه. بالاظافة الى ذلك فان لفظ الدين مكن النص القراني من ادخال استعمالات جديدة لم تنكرها اللغة العربية ولم تعجدم على مستعمليها.

ومن امثلة تلك العادات في القران انه كلما استعمل النص القراني كلمة الدين دالة على الطاعة والولاء استعمل معها وصفا لازما وهو الاخلاص فيقول "مخلصين له الدين"

اسئلة اولية:

الدين\رلجيون و السياسة:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015