احتاج هذا البحث القصير الى العودة الى عدد واسع من كتب التفسير من اجل استخراج الدلالات الممكنة لكلمة الدين بحسب الاستعمال القراني ولكن تجدر الاشارة هنا وتاييدا للخلاصة التي انتهى اليها الامام العلامة الطاهر بن عاشور في التحرير الى ان الكثير من هذه التفاسير عالة على غيره [7] معول الاحق منها على الذي سبقه في اكثر الحلالات. وستحيل هذه العجالة الى التفاسير التالية:

مفاتيح الغيب المعروف بالتفسير الكبير للفخر الرازي [8]

المحرر الوجيز لابن عطية [9]

وتفسير التحرير والتنوير للامام الطاهر بن عاشور [10]

اذا استثنينا الاية فان المفسرين لم يعتنوا بشرح كلمة الدين او البحث عن دلالاتها وهم في ذلك يعتبرون ان الكلمة تدل اساسا على معنى الحساب والجزاء ويمكن تفسير هذه المقاربة بطبيعة اهتمام المفسرين ونوعية التحديات الفكرية والاسئلة التي تعترضهم في المراحل التاريخية التي كتبوا فيها تفاسيرهم، زد على ذلك نوعية الجمهور الموجه اليه النص التفسيري ومدى حاجته الى الكشف عن دلالاة الالفاظ بعينها دون غيرها او التعمق في تعداد دلالات تلك الالفاظ او المقاطع النصية هذا بالاظافة الى نوعية اهتمام المفسرين وعنايته بمواضيع دون غيرها ما يدفعه الى الايجاز في مجال والتوسع في غيره. ويبدو ان الاهتمام بشرح كلمة الدين والكشف عن دلالتها بحسب الاستعمال القراني لم تكن مقلقة للمفسرين السابقين او لم تكن المعاني التي تحيل اليها موضوع تساؤل وخصومة او مناظرة وجدل ما يفسر قصر ربطها بدلالتها الاصلية اي الحساب والجزاء، مع اعتبار ان السياقات المتعددة التي وردت فيها هذه الكلمة محيلة على نفس الدلالة.

على ان التمعن في الاستعمال القراني لهذه الكلمة يمكن ان يحيلنا على عدد من الاستعمالات الاخرى غير الاستعمالين الاصليين ويمكن حصرها في الاستعمالات المعروضة في الجدول ادناه وقد شرحنا هذه الاستعمالات بحسب السياق الذي وردت فيه الكلمة مع التاكيد على ان المعاني المشار اليها هي المعاني الغالبة وليست كل المعاني التي يمكن ان تشير اليها كلمة الدين في السياقات المذكورة بحيث لا يجوز ان نلغي دلالات ثانوية لهذا الاستعمال وان كانت ضعيفة:

الدين الحساب والجزاء:

يتفق كل المفسرين على كون دلالة كلمة الدين في الاية الرابعة من سورة الفاتحة "مالك يوم الدين" تدل على معنى الحساب والجزاء.

الدين الاعتقاد:

من الاستعمالات التي استخدمت للدلالة على الاعتقاد والتي يختص بها النص القراني هي استعمال كلمة الدين للدلالة على الاعتقاد ويعتبر الفخر الرازي ان الاية33 من سورة التوبة: "هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون"

وقد شرح الرازي كلمة الدين في هذا السياق بمعنى الاعتقاد اذ قيل بان الرجل يدين بكذا وكذا أي انه يعتقده [11]

الدين الطاعة:

يقول الرازي في شرحه للاية 19 من سورة آل عمران: "ان الدين عند الله الاسلام"

"أصل الدين في اللغة الجزاء، ثم الطاعة تسمى ديناً لأنها سبب الجزاء،" [12]

الدين التشريع:

يقول الرازي في تفسيرخ للاية 83 من سورة آل عمران:

اعلم أنه تعالى لما بيّن في الآية الأولى أن الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام شرع شرعه الله وأوجبه على جميع من مضى من الأنبياء والأمم لزم أن كل من كره ذلك فإنه يكون طالباً ديناً غير دين الله فلهذا قال بعده "أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ" [13]

ويمكن ان نفهم من كلام الرازي ان دلالة الدين على الاعتقاد في هذا السياق جاءت تبعا لكونها من التكليفات الشرعية وقد وقع الحاق معنى الاعتقاد بلكمة الدين ضمن السياق القراني لكثرة تشديد النص القراني على هذا الامر بحيث اصبح الدين بما هو تشريع وتكليف ونظام وحساب وجزاء مرتبط بشكل حيوي بهذا الامر الاعتقادي. على ان المرء لا يجب ان يغفل عن كون الدين بما هو اعتقاد ليس تكليف تشريعي بمعنى انه من امور العبادات التي تتعلق بها محاسبة اخروية وليس متعلق به حساب او حد دنيوي مثلما هو الشان للاوامر المتعلقة بمسائل الكعاملات واذا ما استعمالنا لفظ ابن عاشور فانه امر متعلق بامور الديانة غير مرتط باحكام الشريعة. ويفسر ابن عاشور هذا الامر بقوله

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015