فقل: هذا طريقه! والخلف قلّد فيه السلف، فإن أظهروا غير هذا مما ثبت عند أهل النقل رجعنا إليهم، وهذا مما لا يمكنهم البتة" ().

8 - ونقله عنه شرف الحق العظيم آبادي في ((عون المعبود)) (9/ 510) -وأقرّه-.

9 - ولقد ضعَّف الحديث بنحو ما ذكرت: الغماري في كتابه ((الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج)): (ص210).

10 - وقال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (5/ق214/ 2): "هذا الحديث كثيراً ما يتكرر في كتب الفقهاء والأصوليين والمحدثين، ويعتمدون عليه، وهو حديث ضعيف بإجماع أهل النقل فيما أعلم () ".

الكلام على الحديث دراية

أرسل الله تبارك وتعالى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، وأنزل عليه القرآن العظيم، وأمره فيه -في جملة ما أمره به- أن يبينه للناس؛ فقال سبحانه: {وانزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}؛ والبيان المأمور به في هذه الآية الكريمة؛ يشمل نوعين من البيان:

الأول: بيان اللفظ ونظمه؛ وهو تبليغ القرآن وآياته، وعدم كتمانه، وأداؤه إلى الأمة، كما أنزل الله سبحانه على قلبه صلى الله عليه وسلم، وهو المراد بقوله عز وجل: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}.

الثاني: بيان معنى اللفظ -أو الآية- بما تحتاجه الأمة من بيان؛ بشرح لغامض، وتوضيح لمجمل، وتخصيص لعام، وتقييد لمطلق، أو "أن يسُنّ فيما ليس فيه نص كتاب" ()، أو سواه.

وهذا النوع من البيان يكون بقوله صلى الله عليه وسلم وفعله وإقراره.

وفي مثل ذلك قال صلى الله عليه وسلم: ((إلا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته، يقول: عليكم بهذا القرآن؛ فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ... )) ().

الواجب على المسلمين -جميعاً- عدم التفريق بين القرآن والسنة من -حيث وجوب الأخذ بهما كليهما-، وإقامة التشريع عليهما –معاً-؛ فإن هذا هو الضمان لهم أن لا يميلوا يمنة ويسرة، أو يرجعوا القهقرى ضُلّالاً، وهذا ما صرّح به النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي)) ().

ويبيِّن ذلك ما ثبت () عن ابن مسعود –رضي الله عنه-، أنه قال: لعن الله الواشمات، والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات؛ للحُسن المغيرات خلق الله، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد، يقال لها: أم يعقوب، فجاءت، فقالت: إنه بلغني أنك قلت كيت وكيت…؟!، فقال: ما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله؟! فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين اللوحتين، فما وجدته؟! قال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه، أما قرأت: {وما ءاتكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}؟! قالت: بلى، قال: فإنه نهى عنه!

حديث معاذ على ضوء النتائج السابقة

لنرجع إلى حديث معاذ، فنقول: إنه يضع للحاكم منهجاً في الحكم على ثلاث مراحل:

قرآن ثم سنّة ثم رأي، فلا يُجوِّز له أن يبحث عن الحكم برأيه إلا بعد أن لا يجده في السنّة!

ولا يُجوِّز له أن يبحث في السنّة إلا بعد أن لا يجده في القرآن!

وهذا الترتيب -بالنسبة للرأي- صحيح عند العلماء كافة، ولذلك قالوا: "إذا ورد الأثر بطل النظر".

ولكنه -بالنسبة للسنّة- ليس صحيحاً، لأن السنة حاكمة على كتاب الله، ومبيِّنة له ()، فيجب أن يُبحث عن الحكم في السنّة أولاً-، ولو ظُنّ وجوده في الكتاب، فليست السنّة مع القرآن كالرأي مع السنّة!! بل يجب عدّ الكتاب والسنّة مصدراً واحداً لا فصل بينهما البتة -كما تقدم تقريره-.

فالتصنيف المذكور بينهما غير صحيح! لأنه يقتضي التفريق بينهما، وهذا باطل بيقين -لما سبق بيانه-فلننظر مثلاً: لو أننا طبقنا حديث معاذ بمراحله على قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} فلولا السنّة لقطعنا يد أي سارق! ومن جذرها!!

وقوله: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} فلولا السنّة لأفتينا بعدم جواز قصر الصلاة إلا مع الخوف!!

وقوله: {حرمت عليكم الميتة والدم} فلولا السنّة لحرّمنا ما أحلّ لنا من عموم تحريم الميتة والدم!!

ولولا السنّة لأبحنا أشياء -كثيرة- حرّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم!! إذ القرآن الكريم لم يورد بيان هذه الأمور بما فصّلته السنّة وأوضحته!

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015