ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[08 Jan 2009, 05:50 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
"في ظلال القرآن" لسيد قطب رحمه الله تعالى كتاب عجيب؛ لا يملك المنصف العاقل عندما يقرأ فيه إلا أن يقول: سبحان من فتح على سيد بهذه الفتوحات التي استقاها من نور الوحي، وسبحان من آتاه ذلك الأسلوب الأدبي الرفيع الذي يأسر به القارئ ويأخذ بمجامع عقله وفكره حتى يحلق به في آفاق سامية ومعان رائعة وصور بديعة قل أن تجدها في كتاب ...
كلما قرأت فيه وجدت فيه ضالتي التي أبحث عنها، ورأيت فيه الجمال الذي أنشده، وشعرت عند القراءة فيه بشيء لا أجده عند القراءة في غيره من كتب البشر.
فرحمك الله يا سيد، وجعل ما سطرته في كتابك من العمل الصالح الذي لا ينقطع، وغفر لك ما بدر منك فيه من هنات وزلات- نلتمس لك فيها العذر- ونرجو الرب الكريم أن يمحوها بما غرسته فينا من حب لكتاب ربنا وتعلق به وفهم لمعانيه وإدراك لبعض كنوزه التي ما عرفناها إلا لما قرأنا "في ظلال القرآن".
وبمناسبة ما تمر به أمتنا في هذه المرحلة من أحداث أليمة عصيبة؛ أهدي نفسي وإخواني شيئاً من كنوز كتاب ربنا التي استخرجها سيد، وبينها وجلاها، وصاغها بأسلوب أدبي رفيع مؤثر، حتى كأنه يكتبها بدمه لا بحبره، ويصيح بالأجيال أن أقبلوا إلى كتاب ربكم، واستضيؤا بظلاله، واختموا بحماه حتى لا تضلوا.
وإليكم إخواني أول هذه الكنوز، راجيا منكم أن تقرأها بتأمل وتفهم، مع ربطها بما يحدث، سائلا الرب الكريم أن يهدينا للحق ويوفقنا لنصرة دينه والتمسك به حتى الممات.
قال رحمه الله في بيان ما اشتمل عليه قول الله تعالى: ? أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ?:
( ... وتنتهي هذه التوجيهات التي تستهدف إنشاء تصور إيماني كامل ناصع في قلوب الجماعة المسلمة. . تنتهي بالتوجه إلى المؤمنين الذين كانوا يعانون في واقعهم مشقة الاختلاف بينهم وبين أعدائهم من المشركين وأهل الكتاب، وما كان يجره هذا الخلاف من حروب ومتاعب وويلات. .
يتوجه إليهم بأن هذه هي سنة الله القديمة، في تمحيص المؤمنين وإعدادهم ليدخلوا الجنة، وليكونوا لها أهلاً: أن يدافع أصحاب العقيدة عن عقيدتهم؛ وأن يلقوا في سبيلها العنت والألم والشدة والضر؛ وأن يتراوحوا بين النصر والهزيمة؛ حتى إذا ثبتوا على عقيدتهم، لم تزعزعهم شدة، ولم ترهبهم قوة، ولم يهنوا تحت مطارق المحنة والفتنة. . استحقوا نصر الله، لأنهم يومئذ أمناء على دين الله، مأمونون على ما ائتمنوا عليه، صالحون لصيانته والذود عنه.
واستحقوا الجنة لأن أرواحهم قد تحررت من الخوف وتحررت من الذل، وتحررت من الحرص على الحياة أو على الدعة والرخاء. فهي عندئذ أقرب ما تكون إلى عالم الجنة، وارفع ما تكون عن عالم الطين:
{أم حسبتم أن تدخلوا الجنة، ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم، مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه: متى نصر الله؟ ألا إن نصر الله قريب}. .
هكذا خاطب الله الجماعة المسلمة الأولى، وهكذا وجهها إلى تجارب الجماعات المؤمنة قبلها، وإلى سنته - سبحانه - في تربية عباده المختارين، الذين يكل إليهم رايته، وينوط بهم أمانته في الأرض ومنهجه وشريعته. وهو خطاب مطرد لكل من يُختار لهذا الدور العظيم. .
وإنها لتجربة عميقة جليلة مرهوبة. . إن هذا السؤال من الرسول والذين آمنوا معه. من الرسول الموصول بالله، والمؤمنين الذين آمنوا بالله. إن سؤالهم: {متى نصر الله؟} ليصور مدى المحنة التي تزلزل مثل هذه القلوب الموصولة. ولن تكون إلا محنة فوق الوصف، تلقي ظلالها على مثل هاتيك القلوب، فتبعث منها ذلك السؤال المكروب: {متى نصر الله} ..
¥