ومثال ذلك: لو سأل رجل عن حكم الصلاة فإن الفقيه يقول: الصلاة واجبة لأن الله يقول: (وأقيموا الصلاة) والأمر للوجوب.

فهنا نجد أن قوله (الأمر للوجوب) هذه قاعدة أصولية أنزلها الفقيه على قوله تعالى: (أقيموا) فاستخرج حكماً جزئياً وهو حكم الصلاة.

مما سبق يتضح أن قواعد أصول الفقه هي الموصلة لتلك الأحكام الفقهية، فهي مختصة بالأحكام الشرعية الفرعية المسماة عند العلماء بالفقه.

2 - أن غاية التفسير هي بيان معاني كلام الله تعالى (القرآن) والمتأمل يجد أن آيات القرآن من حيث دلالتها على الفقه قسمان:

أ ـ آيات أحكام فقهية. وهي الآيات الدالة دلالة ظاهرة على الأحكام الفقهية. وقد عدها مقاتل بن سليمان (500) آية (11).

ب ـ آيات غير فقهية: كآيات الأمثال والعظة والقصص وغير ذلك. وهذه الآيات لم تُسق في الأصل لمعرفة حكمٍ فقهي وإن كان قد يستنبط منها أحكام فقهية كثيرة.

فالقرآن جاء لبيان الفقه كما جاء لبيان غيره من أصول الاعتقاد والأخلاق وغير ذلك.

وإذا كان مقصود المفسر هو بيان الآيات، فإن كانت الآية مسوقة لبيان حكمٍ فقهي، فإن المفسر يستعين بقواعد أصول الفقه، لمعرفة الحكم الفقهي المأخوذ من الآية.

ومن هنا نقول إن المفسر يستعين بعلم الأصول كلِّه لاستخراج الأحكام الفقهية من القرآن، وعلم الأصول قد كُتب وحرِّر، منذ عهد مبكر في تاريخ التدوين.

فهل يفيدنا عندما نريد أن نحرر قواعد تفسير القرآن، أن نعيد كتابة جميع تلك القواعد الأصولية لضرورة أن يرجع إليها المفسر، بينما يمكن اختصار ذلك كلِّه بقاعدة تفسيرية واحدة تنص على: أن استخراج الأحكام الفقيهة من القرآن يكون على مقتضى قواعد الأصول.

لا سيما أن من شروط المفسِّر معرفة أصول الفقه. فلا حاجة ـ في نظري والعلم عند الله ـ إلى إعادة كتابة أصول الفقه مرة أخرى ضمن قواعد التفسير.

ومما يؤيد ذلك أن المفسِّر قد يحتاج عند تفسيره إلى قواعد النحو، فهل تُدرج قواعد النحو ضمن قواعد التفسير لحاجة المفسر لها!!.

من هنا يتضح أن علم التفسير مختلف عن علم الفقه فينبغي أن تكون قواعد التفسير غير قواعد أصول الفقه.

رابعاً: أنه يمكن تحرير قواعد التفسير بالنظر في كيفية تحرير العلماء لقواعد العلوم الأخرى:

فقواعد الفقه مثلاً قد حررها العلماء بطرق منها (12):

أ ـ النظر في النصوص الشرعية واستخراج القواعد منها:

إما نصاً: كاستخراجهم قاعدة (الخراج بالضمان) من الحديث الذي الشريف الوارد بهذا اللفظ (13).

وإما استنباطاً واستقراءً: كاستخراجهم قاعدة: الإيثار في القرب مكروه وفي غيرها محبوب استنباطاً من قوله تعالى: (فاستبقوا الخيرات) وقوله: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) وقوله: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة).

وقاعدة الضرر يزال استقراءً من عدد من آيات القرآن كقوله تعالى: (لا تضار والدة بولدها).

فهل في نصوص القرآن والسنة ما يدل نصاً أو استنباطاً أو استقراءً على قواعد تفسيرية؟.

ولا شك أنه قد وجد ما يدل على ذلك ومن أمثلة ذلك:

قاعدة: تفسير القرآن بالقرآن، من عمل النبي صلى الله عليه وسلم حين فسَّر عدداً من آيات القرآن بآيات أخرى. كتفسير الظلم في قوله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ) الآية بقوله تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم).

ومن الاستقراء أيضاً ما ذكره ابن ابن عطية:" وقوله تعالى: {فاتباع} رفع على خبر ابتداء مضمر تقديره فالواجب والحكم اتباع، وهذا سبيل الواجبات كقوله تعالى {فإمساك بمعروف} [البقرة: 229]، وأما المندوب إليه فيأتي منصوباً كقوله تعالى {فضرب الرقاب} [محمد: 4] " (14).

وهكذا فإن استقراء النصوص الشرعية ـ ومنها التفسير النبوي ـ موصل لعدد من قواعد التفسير المهمة.

ب ـ استخراج القواعد من نصوص العلماء رحمهم الله:

وقد استخرج الفقهاء قواعد فقهية من كلام العلماء رحمهم الله من جيل الصحابة ومن بعدهم، وذلك كقول الإمام مالك: (لا يرث أحدٌ أحداً بالشك) (15).

فهل في استقراء كلام المفسرين من الصحابة ومن بعدهم ما يعين على استخراج قواعد التفسير.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015