ونمثل للمرحلة الأولى بما ورد في المعاجم اللغوية القديمة، حيث ركزت على التفسير اللغوي للمصطلح. ولم تشر إلى معانيه الاصطلاحية الحادثة، قال الأزهري (توفي 280ه) في التهذيب في مادة (آل) فيما حكاه عن ابن الأعرابي: "الأول الرجوع وقد آل يؤول أولاً"4. وعن الأصمعي: "آل القطران يؤول أولاً إذا خثر"5. وفي هذا المعنى المآل والعاقبة وينسجم معه معنى آخر وهو السياسة"، قال [أي الأصمعي]: وآل مآله يؤوله إيالة إذا أصلحه وساسه، قال لبيد:

يصوح صافية وضرب كرينة بمؤثر تأتاله إلهامها

إنما هو "نفتعله" من ألته أي أصلحته."6

فالسياسة إنما تكون بقصد إصلاح الأمر والبلوغ به إلى المآل الأسلم، وهو بهذا ينسجم مع معنى العاقبة كما أسلفنا.

وقال الأزهري: "قلت ومنه قولهم ألنا وإيل علينا أي سسنا وساسونا، ويقال لأبوال الإبل التي جزأت بالرطب في آخر جزئها: قد آلت تؤول أولاً، أي خثرت فهي آيلة وقال ذو الرمة:

ومن آيل كالورس تصح سكوبه متون الحص من مضمحل ويابس

ويقال طبخت النبيذ حتى آل إلى الثلث أو الربع أي رجع."7

والملاحظ في المعاني التي ساقها الأزهري أنها تدور حول معنيين: معنى الرجوع ومعنى العاقبة. ولم يبتعد ابن فارس (توفي395ه (عن هذين المعنيين إذ قال: "أول، الهمزة والواو واللام أصلان، ابتداء الأمر وانتهاؤه ... وآل يؤول أي رجع. قال يعقوب: أول الحكم إلى أهله أي أرجعه وردّه إليهم، قال الأعشى: أوول الحكم إلى أهله.

قال الخليل: آل اللبن يؤول أولاً وأوولاً: خثر ... قال أبو حاتم: ... والغيالة السياسة من هذا الباب لأن مرجع الرعية إلى راعيها ... ومن هذا الباب: تأويل الكلام وهو عاقبته وما يؤول إليه."8

ويجعلنا هذان المعنييان اللذان يدور عليهما مصطلح التأويل عند المتقدمين نسأل عن مستند الإمام الطبري (310ه) في جعل "التفسير" من مرادفات التأويل حين قال: "وأما معنى التأويل في كلام العرب فإنه التفسير والمرجع والمصير."9

ونستطيع أن نجيب عن هذا التساؤل بأحد هذه الاحتمالات:

• إما أن المعاجم اللغوية أغفلت هذا المعنى، وهو احتمال غير وارد إذ تستحيل المواطأة على إغفال معنى يتمتع بوظيفة إجرائية مهمة في مجال التداول العربي وهي وظيفة يستمدها من علاقته بالقرآن الكريم.

• أو أن معنى التفسير نفسه كان معنى اصطلاحياً حادثاً، وإذ سلمنا بهذا –وهو لا يبعد- سقط الاعتراض على تحميل مصطلح التأويل معاني ودلالات أخرى مع تطور الزمن، فيكون المعنى المتأخر للتأويل –وهو الحمل على غير مقتضى الظاهر- معنى معتبراً في مجال التداول.

• أو أن الطبري رأى في الإرجاع والعاقبة معنى التفسير، أي إرجاع الألفاظ والعبارات إلى معانيها المقصودة، أو الوصول باللفظ إلى معناه المراد.

أما المرحلة الثانية فنمثل لها بلسان العرب لابن منظور حيث نجده يسوق المعاني الأولى للتأويل، لكنه يزيد عليها المعنى الجديد الذي استقر عند علماء الكلام والأصول وغيرهم كما أشار إلى ذلك ابن تيمية، قال صاحب اللسان: "الأول الرجوع ... وأول الكلام وتأوله: دبره وقدره، وتأوله وفسره ... والمراد بالتأويل نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ."10

فهذا المعنى الأخير، الذي لم نجده في المعاجم المتقدمة له صله بالتطور الحاصل في علم التفسير، إذ مع استقواء ظاهرة النزاع الكلامي احتيج إلى حمل ما لا ينسجم من القرآن مع المذهب الاعتقادي على غير مقتضى الظاهر ليتسق المعنى القرآني مع اعتقاد المفسر. ولقد ساد هذا المعنى الاصطلاحي الجديد حتى رفع من قدر التأويل فجعل متعلقاً بالدراية واقتصر التفسير على الرواية،11 كما أن التأويل أصبح مدار اشتغاله على المعاني، ووقف التفسير عند حدود المفردات والألفاظ.12

وفي هذه المرحلة أصبح التأويل على صلة كبيرة بالمجاز، ويظهر هذا عند الإمام الغزالي، فالتأويل عنده "عبارة عن احتمال يعضده دليل يصير به أغلب على الظن من المعنى الذي يدل عليه الظاهر، ويشبه أن يكون كل تأويل صرفاً للفظ عن الحقيقة إلى المجاز."13

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015