ألوان التغير إلى حفلت بها الحياة بمختلف الميادين)) (14).

3 - مناهج التفسير

غير أن هذه الحقيقة لا تلغي أن هناك أكثر من منهج للتعامل مع النص، خلافا لما يحاول البعض تعميمه على المدارس التفسيرية، فمن خلال استقراء المناهج المتبعة في التعامل مع النص، ومحاولة الاستفادة منه، سواء الاستفادة القائمة على قصد إيجابي مخلص، والمتمثلة في محاولة الاستكشاف العلمي الموضوعي، أو تلك التي تكمن وراءها أهداف قبلية، وقناعات مذهبية يراد دعمها بتطويع النص الديني (من الكتاب والسنة)، من خلال الاستقراء نجد أمامنا المناهج التالية:

1ـ المنهج الظاهري: وهو المناهج الذي يتعامل مع الظاهر، من دون محاولة الغور إلى العمق والتعامل الجوّاني معه، مما يحول دون استكشاف قصد صاحب النص.

2ـ المنهج الباطني: وهو الذي عبث بمعاني القرآن، وحرفها عن قصد وتخطيط، وأبرز ممثلي هذه الاتجاه هم الغلاة، كما تمثله بعض الاتجاهات الباطنية المنحرفة

3ـ منهج التأويل: عرّف التأويل بأنه ((رد أحد المحتملين إلى ما يطابق الظاهر)) وقيل: إنه انتهاء الشيء ومصيره وما يؤول إليه. أما السيد محمد باقر الصدر فيقول: ((تأويل الآيات المتشابهة ليس بمعنى بيان مدلولها، وتفسير معانيها اللغوية، بل هو ما تأؤول إليه تلك المعاني)) بمعنى انه تفسير المعنى وبيان حقيقة الشيء الخارج في الخارج.

4ـ منهج الامرار والتوقف: وهو المنهج الذي صادر دور العقل والتأمل في النص، والاستفادة منه عن طريق التأويل، أو التدبر، أو تفسير الآية بآية أخرى موضحة لها، بل ألزم نفسه بنظرية التوقف، وعدم القول بما تقوله الظاهرية، أو اللجوء إلى التأويل، وقال أصحاب هذا الاتجاه: نستقبل النص دون محاولة القول فيه، عندما يحتمل أكثر من رأي، بل نتوقف عن إبداء أي رأي تفسيري، ونمره كما ورد.

5ـ منهج الظهور: وهو المنهج الذي قسم إفادات الدليل إلى ثلاثة أقسام هي: النص، والظاهر، والمجمل، فذهب إلى القول بحجية الظهور، وهو ينطلق في نظريته تلك من أن النص الديني (القرآن والسنة) هو نص عربي مبين، وصاحب النص إنما أراد إفهام المخاطبين بمراده من خلال كلامه، وفق أصول الخطاب العرفي المألوف بين الناس جميعا، لذا فإن ما يستفاد من ظاهر الكلام حجة يجب الأخذ بها.

6ـ المنهج النحوي: ينتهي علم النحو في أهدافه إلى انه علم بيان المعنى، يقوم على أساس التحليل البنيوي لمعنى التراكيب اللفظية بتحديد النسبة بين المفردات والتراكيب، والعلاقة بينها .. واعتمد النحويون المنهج النحوي لتحليل المعاني القرآنية، ومعرفة دلالة الألفاظ من تحديد موقعها الأعرابي، منطلقين من أن الأعراب في حقيقته تابع للمعنى.

7ـ المنهج العقلي: وهو المنهج الذي آمن بدور العقل في فهم النص، واستكشافه ضمن ضوابط فهم محدودة، ومنهج عليم يعتمد على دلالات القرآن نفسه، محتجين بآيات عديدة من القرآن، وهو غير المنهج الفلسفي الذي يتعامل مع النص منطلقا من مسلمات فلسفية.

ويتكامل هذا النهج مع ((منهج الظهور)) في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).وقد دافع الشيخ الطوسي في مقدمة تفسيره، ((التبيان)) دفاعا حارا عن هذا المنهج إذ يقول (15): ((وقد مدح الله أقواما على استخراج معاني القرآن فقال ((لعلمه الذين يستنبطونه منهم)) (16)، وقال في قوم يذمهم حيث لم يتدبروا القرآن ولم يتفكروا في معانيه ((أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)) (17).

من هنا نتوصل إلى أن النيفر قد جانب الحقيقة كثيرا، وقفز عنها، حينما حاول أن يختزل كل المناهج بمنهج واحد هو المنهج المتخلف القمين بالنقد والمراجعة الحقيقية، فليس هناك ((سلطة شبه تقديسية تجعل التراث بمثابة نص ثان))! والمقدس لا يتعدى نصين فقط هما: القرآن والسنة .. وكل ما عاداهما، فهو ليس بمقدس. وهذا لا يعني أن نغمط العين عن التراث الإسلامي، أو نقلل شأنه، لاسيما وأنه يتمثل بهذا الكم العملاق من الفكر والمعرفة التي ورثناها عن الأجيال الماضية، والذي يقدر بمئات الآلاف من الكتب، والمؤلفات المنتشرة في مختلف مكتبات العالم الإسلامي وغيره، وفيه من الكنوز والعطاء والعلمي، والجهد المنهجي، ما يدعو إلى الإكبار والإعجاب والتبجيل.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015