وأمركم لهم فامتنعت اليهود من الإجابة إلى ذلك لعلمها أنها إن تمنت الموت هلكت، فذهبت دنياها وصارت إلى خزي الأبد في آخرتها، كما امتنع فريق من النصارى.
فهذا الكلام منه أوله حسن، وأما آخره فيه نظر؛ وذلك أنه لا تظهر الحجة عليهم على هذا التأويل، إذ يقال: إنه لا يلزم من كونهم يعتقدون أنهم صادقون في دعواهم أنهم يتمنوا الموت فإنه لا ملازمة بين وجود الصلاح وتمني الموت، وكم من صالح لا يتمنى الموت، بل يود أن يعمر ليزداد خيرًا وترتفع درجته في الجنة ...
ولهم مع ذلك أن يقولوا على هذا: فها أنتم تعتقدون -أيها المسلمون-أنكم أصحاب الجنة، وأنتم لا تتمنون في حال الصحة الموت؛ فكيف تلزمونا بما لا نُلزمكم؟
وهذا كله إنما نشأ من تفسير الآية على هذا المعنى، فأما على تفسير ابن عباس فلا يلزم عليه شيء من ذلك، بل قيل لهم كلام نَصَف: إن كنتم تعتقدون أنكم أولياء الله من دون الناس، وأنكم أبناء الله وأحبّاؤه، وأنكم من أهل الجنة ومن عداكم من أهل النار، فباهلوا على ذلك وادعوا على الكاذبين منكم أو من غيركم، واعلموا أن المباهلة تستأصل الكاذب لا محالة. فلما تيقَّنوا ذلك وعرفوا صدقه نكلوا عن المباهلة لما يعلمون من كذبهم وافترائهم وكتمانهم الحق من صفة الرسول صلى الله عليه وسلم ونعته، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ويتحققونه. فعلم كل أحد باطلهم، وخزيهم، وضلالهم وعنادهم-عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة-.) انتهى كلام ابن كثير باختصار يسير.
ففي قول ابن كثير رحمه الله: ( ... ثم هذا الذي فسر به ابن عباس الآية هو المتعين، وهو الدعاء على أي الفريقين أكذب منهم أو من المسلمين على وجه المباهلة، ونقله ابن جرير عن قتادة، وأبي العالية، والربيع بن أنس، رحمهم الله.) نظر من وجوه:
الأول: التصريح بنسبة هذا القول لابن عباس رضي الله عنهما، مع أن صريح قوله في ذلك ضعيف، وما صح عنه في معنى الآية غير صريح.
الثاني: نسبته هذا القول لكل من قتادة وأبي العالية والربيع بن أنس، وذكر أن ابن جرير نقله عنهم،وليس الأمر كما قال؛ بل جعل ابن جرير قولهم قولاً آخر غير القول الذي رواه ابن اسحاق عن ابن عباس، والأمر واضح لمن تأمله، ولكن يبدو أن ابن كثير رحمه الله لم يتنبه لعبارة: وقال آخرون؛ التي ذكرها ابن جرير بعد القول الذي نسب لابن عباس.
وهذا نص كلام ابن جرير: (وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعو اليهود أن يتمنوا الموت، وعلى أي وجه أمروا أن يتمنوه. فقال بعضهم: أمروا أن يتمنوه على وجه الدعاء على الفريق الكاذب منهما.
* ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد، أو عكرمة، عن ابن عباس قال: قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين)، أي: ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب.
* * *
وقال آخرون بما:-حدثني بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس)، وذلك أنهم قالوا: (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى) [البقرة: 111]، وقالوا: (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة: 18] فقيل لهم: (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين).
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قال: قالت اليهود: (لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى)، وقالوا: (نحن أبناء الله وأحباؤه) فقال الله: (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين)، فلم يفعلوا.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثني ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة) الآية، وذلك بأنهم قالوا: (لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى)، وقالوا: (نحن أبناء الله وأحباؤه). .) انتهى كلام ابن جرير.
تنبيه: القول الذي رجحه ابن كثير في تفسيره لهذه الآية لم يظهر لي رجحانه، وقد بيّنت ذلك بالتفصيل في هذا الموضوع:
دراسة ما ذهب إليه ابن القيم وابن كثير في معنى قول الله: (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين) ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?p=29264#post29264)
حرر صباح الخميس الموافق 20/ 12/1429هـ
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[20 عز وجلec 2008, 11:32 ص]ـ
3 - قال الشوكاني في تفسيره لقول الله تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}: (قرأ الجمهور {أسوة} بالضم للهمزة، وقرأ عاصم بكسرها).انتهى
وهذا وهم، والصواب العكس.
حاء في كتاب حجة القراءات: (قرأ عاصم أُسوة حسنة بضم الألف حيث كان، وقرأ الباقون بكسر الألف. وهما لغتان).
¥