لقد استحكمت الأقفال بالقلوب .. فتلهينا .. خدعتنا الدنيا .. و أخذتنا الفتن .. و شتتتنا الأفكار ..
و هنا لن أقرع نفسي فقط على مضي كل هذه السنوات في علم الرياضيات متلهيا عن القرآن .. لأن أهل العلم بالقرآن أنفسهم تلهوا به عنه .. أعني عن تدبره .. نعم تلهوا بالقرآن لكنهم ما تدبروه .. و لعلهم أفضل مني حالا .. فهم يتلونه تلاوة المتعتع به .. نعم المتعتع به ليس في لفظه و لكن في معرفة ما فيه من أسرار .. لغياب الفكر الموسوعي لدينا و لدى علمائنا، على نقيض ما كان عند أسلافنا و نحن الخلف .. و هو سر قوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ .. و قوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا .. و هل الصلاة ركوع و سجود فقط .. و لكننا هكذا فهمناها .. فلربما كثيرون لم يضيعوها بفهمنا و قد ضيعوها .. نسينا قول رسولنا الكريم عن فكر ساعة و عن مداد العالم .. و عن من يهمه أمر المسلمين ..
أما العالم بالقرآن عندنا، فربما هو من يحفظه عن ظهر قلب يهذه هذ الشعر و يرمي به رمي الدقل .. و ربما من حفظ معه المتون .. و قد قيل من حفظ المتون حاز الفنون .. هل أمثال هؤلاء قد علموا القرآن في نظر رسول الله صلى الله عليه و سلم .. كلا فالعالمون زمن رسول الله ليسووا هؤلاء و إلا لكان أغلب من عاصر النبي منهم و لكن الرسول حدثنا عن بعض صحابته رضوان الله عليهم جميعا و سماهم، منهم من علم القرآن و منهم باب مدرسة العلم .. و منهم حبر الأمة و منهم أمين الأمة و منهم سيف الله المسلول .. أما صنوف علوم القرآن، عندنا، فلعلها رسمه و لفظه و ربما تفسيره على ما حفظوه من السلف لا نعلم غيره سوى ما يصب في هذا المصب، و في أغلبها، عودة إلى علم اللغة، التي طالما استغلها بعض المغفلين للقدح في آي القرآن و تجويدها بحسب ما يرى منطقهم كمن يقول أن خاتم لا تعني الآخر و من بعده لا تعني البعدية الزمنية، و أن الضرب بالخمار لا يعني ستر الرأس و إنما ستر الجيب، أو من يقول بالزيادة و النقص، أو من يقول بتضمن القرآن لكلام غير عربي، إذا وافق لفظ العرب لفظ غيرهم، و من يقول بجهل الصحابة رضوان الله عليم بقواعد الكتابة، و هي مسائل لنا تعاليق عليها ليس المجال لذكرها الآن .. فأين سيف الله المسلول و العالمون بالتخطيط و الحرب و أين أمين الأمة و أين و أين؟ ..
و لو نظرنا إلى التحدي في القرآن لكان ملزما به، كما أشرت، كل من بلغه من الناس، أميهم و قارئهم، عربهم و عجمهم .. لا فرق بينهم إلا في اتباع الحق .. و التزامه و محبة أهله .. و لعلي قلت ما حفظوه عن السلف، فيذهب ظن بعضكم أني أنكر ما قال السلف أو أنكر بعضه، و إني لست من هذا الصنف، غير أني أرى في علمائنا أنهم قيدوا أنفسهم بما لم يقيدهم به الله تعالى .. فالله أمرنا بتدبره و التفكر فيه و التعلم منه ..
ثم ماذا؟ ..
جوابا على قول أخي عيسى أنهم كانوا خلال جلسات المؤتمر كأنهم حزب معارضة، أقول: الحمد لله الذي جعلنا كالجسد الواحد و لم يجعلنا أحزابا متفرقة، إنما الأمر بيننا شورى .. فالمسلم على الحق دائما لأن الله يجازيه على نيته .. و نحن لم نكن نتجادل حتى تقول أنكم كالمعارضة و لكننا نتشاور .. و معلوم أن الشورى تكون في آراء متعددة و تعني تكامل الآراء و إظهار أحسنها و أنسبها .. و الجدال يكون بين رأيين اثنين و يدل على إثبات رأي و نفي آخر ..
ثم إني أهيب بالأخ أحمد أن يمدنا بالأمور الخلافية التي قد يقع فيها الباحث في مسألة الإعجاز في القرآن و يحددها .. حتى نتجنبها ..
ثم إن من النقاد من يأخذ الآية: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ .. و يقف عندها .. حتى يتوهم لمن لا يطلع على البحث كاملا، و يطلع على تعليق الناقد، أن البحث في كله مبني على التكلف و الخزعبلات و ربما حب الظهور .. و هو أمر أريد أن أنبه إليه بعض الناقدين لمسائل الإعجاز العددي .. و ليتركوا الحق على ما فيه من ضيق .. مع أني أجل بعض النقد الهادف الذي يقوم المعوج و يصلح الخاطئ ..
ثم ماذا؟ ..
ما للذين يقولون كلما تحدثنا، استنادا إلى رواية معينة من الروايات الثابتة عن النبي و المنقولة إلينا بالتواتر، عن بناء ظهر إعجازه و دقة إحكامه بصورة يدهش لها كل عقل .. لو غيرنا الرواية لانهار كل هذا البناء .. أو شيئا من هذا القبيل .. فإني أقول لهم هل الاستناد إلى رواية صحت عن النبي في حكم شرعي يسقط الحكم إذا خالفتها رواية أخرى أو يعدد الحكم تيسيرا على الأمة ..
مثلا قوله تعالى: أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ألم تقرأ أيضا أَوْ لَمَسْتُمُ النِّسَاءَ.
و مثلا قوله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن ألم تقرأ أيضا وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن.
فكيف نقر هنا بتعدد الأحكام الفقهية استنادا إلى الروايات و نقول بانهيار الإعجاز باختلافها؟ .. إنما يتعدد الإعجاز فتدبر .. و ربك فكبر .. سل تعطى .. فإن في القرآن مزيد لمستزيد، و أكثر لمستكثر ..
غفر الله لي و لكم ..
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
عمارة سعد شندول