1 - أنّها محمولة رغم سعتها العظيمة وثقلها وكثافتها بلا عمد قال الله تعالى: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} النبأ (12) فهي شديدة ثقيلة ومع ذلك مرفوعة بلا عمد! وقال تعالى: {اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} الرعد (2).
2 - أنّها محمولة بالقدرة الإلهية الباهرة، وممسوكة بالإرادة الربانية المعجزة: {وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} الحج (65).
3 - أنه مع عظمة هذه السماء وقوتها وشدتها واتساعها، فإنها ليست واحدة بل سبع فأي قدرة هذه التي أوجدت كلّ هذه السموات في يومين اثنين مع قدرته على خلقها في لمحة بصر؟!
4 - أنّ السماء مع كل ما ذكرناه متصفة كذلك بالإتقان وجمال الصورة وخلوها من العيب، أو النقص {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ} الملك (3، 4).
وبالجملة فإنّ السماء التي ذكرها الله في كتابه في عشرات المواقع وما زلنا نبصرها صباح مساء هي آية عظيمة باعثة على اليقين والإيمان لمن تدبر وتأمل!
ولو تأملها الظلمة والطواغيت وعرفوا عظمة الصانع، وقدرته الفائقة في مقابل عجزهم وضعفهم لما تجرأوا على سفك الدم الحرام أو فتن العباد عن دينهم, ولعل هذا من مناسبة القسم بهذه الآية في معرض سوق قصة أصحاب الأخدود.
(وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ): اليوم الموعود هو يوم القيامة بلا شك ومناسبة القسم به في معرض سوق هذه القصة كذلك ظاهرة واضحة ذلك أنّ يوم القيامة هو موعد القصاص العادل من أصحاب الأخدود وغيرهم؛ فإنّ أصحاب الأخدود في حقيقة الأمر لم يذكروا إلا كمثال للطغيان البشري الأرعن ولم ينوه بذكرهم إلا كأنموذج عابر لحالة الاستبداد الذي يمارسه الكثيرون من العتاة والجبابرة على مرّ الدهور والعصور, وإلا فإنّ أصحاب الأخاديد المشابهة وسدنة الظلم والجبروت كثيرون، متواجدون في كلّ زمان!.
وهؤلاء جميعهم حسبهم ذلك اليوم الموعود حيث توضع الموازين القسط فلا تظلم نفس شيئاً.
وهؤلاء جميعهم حسبهم الحكم العدل سبحانه حيث يقتص من كل ظالم وينتقم من كل جبار عنيد.
وأما القسم بالشاهد والمشهود فلعل مناسبته ولطيف ذكره هو: أنَّ محاكمة أصحاب الأخدود ومحاسبتهم، والاقتصاص منهم سيتم في هيئة تامة من العدالة حيث الشاهد على جريمتهم حاضر, والمشهود عليه أمرٌ واقع لا يمكن إنكاره وهذا ما يرجّح القول بأنّ (شَاهِدٍ) يعمُّ كل شاهد بلا تحديد (مَشْهُودٍ) كل ما يشهد عليه دون تخصيصه بأمر ما.
(قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ {4} النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ {5} إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ {6} وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ {7} وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ {8} الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {9})
وفي هذا المقطع من السورة يعرض القرآن الكريم في لمحة خاطفة ملخصاً عابراً، لأحداث القصة مكتفياً بأبرز ما فيها وهما عنصران:
1 - أن عذاب أصحاب الأخدود للمؤمنين كان قاسيا لا يطاق وهو الإحراق بالنار.
2 - أنه لا سبب لهذا العذاب إلا الإيمان بالله العزيز الحميد.
وكما تقدم – قبل قليل – فإنّ القرآن ذكر القصة كأنموذج لكل الحالات المشابهة لأخذ العبرة والعظة، وتسلية المبتلين بهذه القصة، وتوعد المجرمين، بذات الوعيد، وبقدر الجريمة!
فالمقام ليس مقام سرد أو استيعاب لكل حوادث التاريخ – وما أكثرها - ممّا قد يفوق جريمة هؤلاء بمراحل وإنما هو مقام تذكير ووعظ بما يؤدي الغرض وكفى!
وفي العصر الحديث كثر أصحاب الأخاديد بحيث تنكسر الأقلام وتفنى مئات الصحف قبل أن تستوعب بعض جرائمهم.
فجرائم الصليبيين بقيادة امبراطورية الشر، وحاملة لواء النصرانية أمريكا فاقت كل تصور، وتجاوزت كل حدّ.
¥