" 7292 - عن أبي العالية في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [المائدة: 105]، قال: كانوا عند ابن مسعود جلوسًا، فكان بين رجلين ما يكونُ بين النَّاسِ، حتَّى قامَ كلُّ واحدٍ منهما إلى صاحِبه، فقال رجلٌ من جُلساءِ عبداللهِ: ألا أقومُ فآمرُهما بالمعروفِ وأنهاهما عن المنكرِ؟. فقال رجلٌ آخرُ إلى جنبهِ: عليك بنفسك، فإنَّ الله يقولُ: (عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) [المائدة: 105]. قال: فَسَمِعَهُمَا ابنُ مسعودٍ، فقال: مَهْ، لمَّا يجيء تأويلُ هذه بعدُ. إنَّ القرآنَ أُنزِلَ حيثُ أنْزِلَ، ومنه آيٌ قد مضى تأويلهُنَّ قبل أن ينْزلن، ومنه آيٌ وقع تأويلُهَنَّ على عهدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومنه آيٌ وقع تأويلُهُنَّ بعد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بيسيرٍ، ومنه آيٌ يقع تأويلُهنَّ بعد اليوم، ومنه آيٌ يقع تأويلُهُنَّ عند السَّاعةِ على ما ذُكرَ من السَّاعةِ، ومنه آيٌ يقع تأويلُهُنَّ يوم الحسابِ على ما ذُكرَ من الحسابِ والجنَّةِ والنَّارِ."

فها هو الصحابي الجليل ابن مسعود يقدر القرآن حقه ويوضح لنا كيف أن الفهم الحقيقي للقرآن يكون بإسقاط كل آية على زمانها , فلا يحاول أي أحد أن يفهم آية قبل أن يأتي تأويلها إلا وأخطأ وزل , لذا فإن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا من الراسخين في العلم , لأنهم رأوا بعض الآيات المتشابهة التي لم تدركها عقولهم والتي تتحدث عن الطبيعة والكون وعلى الرغم من ذلك لم ينكرونا وآمنوا قائلين: كل من عند ربنا , ولم يحاولوا أن يأولوا هذه الآيات لعلمهم أن هذه الآيات لما يأت تأويلها بعد. لذا فإن السادة المفسرين قد أخطأوا الخطأ الكبير عندما غاب عن أذهانهم طريقة الصحابة الكرام في التعامل مع كتاب الله وفعل النبي المصطفى , حيث أنه ترك هذه الآيات بدون يتعرض لها لأنه يعلم أن الزمان هو خير مؤول لها وهو الذي سيكشف آيات الله خيرما كشف وكما قال الله عزوجل: " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " , أما المفسرون فحاولوا أن يفسروها فلم يزيدوا عن أن أغلقوها أمام الناس فقدموها لهم معوجة عن أصلها فيفهما الناس في الأجيال التالية على فهم المفسرين معرضين عن صريح لفظ كتاب الله تعالى.

ونضرب للقارئين مثالين سريعين جدا على ما نقول:

يقول الله تعالى حاكيا عن أصحاب الكهف: " ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ... إلخ الآيات "

فالمعنى المباشر للآيات جد واضح ولا يحتاج إلى كلام ولكن كان على السادة المفسرين أن يخبرونوا: ما هي الحكمة في هذا التقليب؟ لم يخبر أحد منهم ما هو سبب هذا التقليب , وإنما أخذوا في الحديث عن مرات وأوصاف التقليب , وتمر الأيام ويكتشف العلم الحديث وجوب تقليب المريض المصاب بالغيبوبة أو الراقد في الفراش عامة حتى لا يصاب بقرحة الفراش , وهو ما أخبر به المولى عزوجل , ولا يعنى هذا أن الآية أولت تماما ولكن ستمر الأيام ونكتشف لم قال الله " ذات اليمين " أولا ثم بعد ذلك " ذات الشمال " وبذلك يكون قد أتى تأويلها. والعجيب أن الحبر ابن عباس رضي الله عنهما قال أن فائدة تقليبهم لئلا تأكل الأرض لحومهم ولا تبليهم. فرد عليه الفخر الرازي بقوله: وأقول هذا عجيب لأنه تعالى لما قدر على أن يمسك حياتهم مدة ثلثمائة سنة وأكثر فلم لا يقدر على حفظ أجسادهم أيضاً من غير تقليب.

فالله له تصريف في كل أفعاله ولا يعني أننا لم نكتشفها حتى الآن أنها غير موجودة , بل هي موجودة وعلينا أن نبحث عنها في الكون وفي كتاب الله عزوجل.

المثال الثاني: يقول الله تعالى " الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد "

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015