أن قول الحق يبين الشيء ويوضحه! فإذا كان هذا هو قول الحق , فكيف يقول قائل أنه مبهم يحتاج إلى تفسير؟!
ويحق لنا أن نطرح السؤال بمنظور آخر:
إذا كان الله عزوجل قد أبهم كتابه ولم يجعله مبينا في ذاته , فهل هذا الإبهام لقلة حكمة وخبرة أم لحكمة وخبرة؟ وإذا كان الله عزوجل قد جعل كتابه مشكلا غامضا فمن لديه القدرة على أن يفك إشكاله وغموضه؟
لا يستطيع أحد بداهة – لما سنذكره لاحقا – أن يجد ردا للسؤال الأول , أما السؤال الثاني فنقول نحن فيه: ما أبهمه الله عزوجل في كتابه فلن يستطيع أحد أن يفسره مهما كان مبلغ علمه وعلو كعبه معرفةً, فلن يستطيع أن يقول: هذا تفسير هذه الآيات بل سيكون كل ما يفعله أن يقول: هذا اجتهاد مني في فهم الآيات! وقد يعتقد القارئ أن هذا ما يقوله كل مفسر عند تعامله مع كتاب الله عزوجل! ولكن نحن نقول: لا , نحن نتحدث هنا عن الآيات التي أبهمها الله عزوجل في كتابه الكريم وهي قليلة جدا وبحاجة إلى تفسير فعلا! وهي الحروف المقطعة! ألم , حم , طس , طسم ... إلخ. هذا مما أبهمه الله عزوجل. وإلى الآن وإلى أن تقوم الساعة هل يستطيع أحد المفسرين أن يدعي أنه فسر هذه الكلمات؟ لا , كل يحاول أن يدلي دلوه ولكن ما من جازم أن هذا المعنى هو المراد أو حتى الراجح , فقد لا يجزم الكثيرون أن تفسيرهم! هو المراد ولكنهم يرونه راجحا , ونحن نسأل أي مفسر: ما هي أمارات رجحان تفسيرك للحروف المقطعة؟ لن تجد لدى أي مفسر ترجيح لتفسيره.
إذا نخرج من هذا أن كتاب الله عزوجل – كما أخبر هو سبحانه – كتاب مبين واضح لا يحتاج إلى تفسير ولو قلنا أنه يحتاج إلى تفسير لقلنا أنه مبهم غير واضح وهذا يتنافى مع حمكة الله عزوجل.
قد يقول القارئ مفكرا: نعم , كتاب الله واضح مبين ولكن هناك بعض الكلمات لا يعرفها ولا يفهم معناها القارئ وتحتاج إلى بحث في المعاجم وكتب التفاسير , ناهيك عن العوام الذين لا يفهمون الكثير من الكلمات وانتشار الجهل الديني أفلا يدل هذا على أنه قد يحتاج إلى ما يسمى بالتفسير؟
قبل أن نرد على السؤال من القرآن نقول: كم هو عدد هذه الكلمات التي لا يعرف القارئ معناها في كتاب الله أو لا يفهمها؟ إذا قلنا أن عدد المفردات الواردة في كتاب الله عزوجل يزيد عن السبعين ألفا – نعم هناك المكرر ولكنها تزيد عن السبعين ألف بكل حال - , وقلنا أن هناك حوالي سبعمائة كلمة في كتاب الله عزوجل غير معروفة المعنى – مع أن الرقم الحقيقي لا يصل إلى ربع هذا الرقم ولا حتى عُشره! - فهذا يعني أن هناك حوالي أقل من واحد في المائة من كتاب الله عزوجل فقط في حاجة إلى تفسير! فهل يمكن أن نعمم الأمر ليصل إلى ما يزيد عن التسع وتسعين الباقية لنقول أن الكتاب بحاجة إلى تفسير؟
إن هذه النسبة وأكبر منها بكثير لا يُلتفت إليها ولا تعد شيئا البتة في منظور أي بحث إستقرائي ولكن العجيب أن هذا النسبة التي لا تكاد تذكر عممت وصارت هي الأصل! أما بخصوص العوام الذين لا يفهمون كثيرا من آي القرآن فيمكنني الجزم أنه لا فارق بين العامي والمثقف – والذي لم يدرس دراسة دينية – في فهم كتاب الله عزوجل بل هما في فهم معاني مفرادته سواء, أما فهم المعنى الإجمالي والجماليات والإشارات فيختلف الحال فيها من إنسان إلى آخر.
ونأتي الآن إلى الرد من كتاب الله عزوجل على دعوى انتشار الجهل الديني لذا يحق القول بالتفسير , إذا نحن نظرنا في كتاب الله عزوجل وجدنا أن أول آية أنزلت في كتاب الله العليم هي قوله تعالى: " إقرأ باسم ربك الذي خلق " والخطاب وإن كان للنبي العدنان ولكنه كذلك لكل الأمة , فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب – فيستخرج من الآية حكما بوجوب التعلم على كل مسلم لأي علم نافع غير معارض للملة - , وأول تطبيق للقرآة هو حتما قراءة كتاب الله عزوجل , فإذا خالف الإنسان ولم يقرأ القرآن فهو عاص تارك لأمر الله الواحد الديان , وليس المطلوب من الإنسان المسلم مجرد قراءة كتاب الله عزوجل بل المطلوب تدبر كتاب الله عزوجل كما حث الله عزوجل على ذلك " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " وكما بين العلة من إنزاله: " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب " وكما لام تارك التدبر " أفلا يتدبرون القرآن أم
¥