أخي الفاضل أبو عمرو، إيمان الشهادة بما أنزل قبل الرسول عليه الصلاة والسلام لا ينطبق إلا على شيء موجود بالفعل، أما صحف إبراهيم عليه السلام فإنها لم يبق لها أثر لانقراض أهلها، فقد يرسل الله رسولا بعد انقراض أقوام قبله جاءتهم الرسل بالآيات، فلما انقرضوا انقرض معهم ثراتهم، ومن الطبيعي أن تنسى آياتهم فلا يتذكرها الأجيال من بعدهم.

أو يرسل الله رسولا بآيات جديدة ليجد أقواما أخرى أوتوا الكتاب ما زال لهم وجود، فالله تعالى لم يرسل موسى وعيسى عليهما السلام لتبليغ رسالته إلى معاصريهم فقط بل إلى الخلف أيضا، ولكي يلزم الخلف بالإيمان بما آمن به السلف فإنه يجب أن يترك الله للخلف نسخة من الآيات التي رآها أو سمعها أسلافهم، فالآيات قد تكون فعلية (كآيات المسيح عليه السلام) أو قولية كآيات محمد عليه السلام.

كيف يترك الله للناس نسخة من آية المسيح إذا كان المسيح هو نفسه تلك الآية!!

نسخ آية المسيح يعني أن يترك الله للخلف نسخة من سيرة المسيح الذاتية مدون فيها أفعاله وأقواله وكل ما قام به وما جرى له، فأسلاف النصارى المعاصرون للمسيح كان إيمانهم إيمان شهادة، أما الذين وصلهم الخبر منسوخا في كتاب فهم مؤمنون بالغيب.

وبما أن آيات المسيح عليه السلام آيات فعلية تدرك بالأبصار فإن المهم في تبليغها إلى الخلف هو الصدق في الخبر وعدم تحريفه، عبر عنه كما شئت وبأية كيفية وبأية وسيلة، المهم هو أن يكون الخبر صحيحا، فأنا إذا قرأت عبارة في نسخة من الإنجيل ليست هي نفسها في نسخة أخرى مثل لفظ (ربي) و (ربوني) فإني لا أعتبر ذلك تحريفا كما ظن أخونا الفاضل العليمي، فما الإنجيل إلا أخبار عاصرها أسلاف النصارى بلغت إلى الخلف ليكونوا على علم بما حصل كما لو أنهم كانوا حاضرين معهم.

إذا قال الله عن المسيح: (وآتيناه الإنجيل) فلا تظنن أنه كتاب آتاه الله رسوله المسيح عليه السلام بل هو الآيات الفعلية والحكمة التي أوتيها المسيح، فآيات رسولنا صلى الله عليه وسلم اسمها (القرءان)، وآيات المسيح اسمها (الإنجيل) ومعناه البشرى، فآية إحياء الموتى تبشر الناس أن بعد الموت بعثا، لو كان الإنجيل كتابا كالقرآن أوتيه المسيح فكيف يسمي الله كتاب النصارى المعاصرين للإسلام ب (الإنجيل) في قوله: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وهو بلا شك ليس كتاب المسيح بل كتبه لوقا ويوحنا ومرقس ومتى!!

إذا فالإنجيل الحالي هو نسخة من الإنجيل الأصلي الذي عاش أحداثه واقعا المؤمنون المعاصرون للمسيح عليه السلام، مثلا: إذا سافرت في رحلة إلى إفريقيا، فهي رحلة عشت أحداثها واقعا، وإذا كتبت كتابا عن هذه الرحلة أقص فيه كل ما شاهدته وما جرى لي فيها فإن الإسم المناسب للكتاب هو (رحلة إلى إفريقيا)، كذلك آيات المسيح وتعاليمه إسمها (الإنجيل)، إذا دونت في كتاب فالكتاب يحمل اسم مضمونه.

أما القرآن فهو كلام الله الحكيم، كتاب أحكمت آياته، وبما أن الآيات ليست فعلية كآيات المسيح وإنما آيات قولية ينبغي أن تنقل إلى الخلف كما هي، فهو قرآن عربي إذا ترجم إلى لغات أخرى لا يصح أن نطلق عليه اسم قرآن بل ترجمة لمعاني القرآن.

إذن فالآيات الحسية مهما بلغت عظمتها فإنها ابنة لحظتها لا يمكن أن تستمر إلى الخلف إلا نسخة خبرية (كتاب أو شريط فيديو ... )، والنسخة ليست كالأصل، فآية إحياء الموتى ابنة لحظتها، فالأصل هو مشاهدتها مباشرة، ومن لم يشاهدها ووصلته خبرا فالخبر نسخة من الأصل (الشهادة). والأصل خير من النسخة.

أما القرءان فهو آيات قولية ليست ابنة لحظتها كآيات المسيح، وبالتالي فهي ليس فيها أصل ونسخة بل هي نفس الآيات منذ أنزلت إلى أن تقوم الساعة.

وإذا كان القرآن آيات لا يمكن نسخها فنحصل على أصل ونسخة فإنه خير من الآيات التي يمكن نسخها وتقسيمها إلى أصل ونسخة.

إذن فالقرآن لم يأت ليجد آيات المسيح قد أنسيت بل وجدها نسخت للأجيال من بعده في كتاب اسمه الإنجيل.

قال تعالى: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015