وقد قال تعالى في الآية الأخرى: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا * بل رفعه الله إليه} (النساء 157 - 158).

فقوله هنا: {بل رفعه الله إليه} يبين أنه رفع بدنه وروحه كما ثبت في الصحيح أنه ينزل بدنه وروحه، إذ لو أريد موته لقال: وما قتلوه وما صلبوه، بل مات، فقوله: {بل رفعه الله إليه}، يُبَيِّن أنه رفع بدنه وروحه كما ثبت في الصحيح أنه ينزل بدنه وروحه.

ولهذا قال من قال من العلماء: {إني متوفيك}، أي: قابضك، أي: قابض روحك وبدنك، يقال: توفيت الحساب واستوفيته، ولفظ التوفي لا يقتضي نفسه توفي الروح دون البدن، ولا توفيهما جميعا إلا بقرينة منفصلة.

وقد يراد به توفي النوم كقوله تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} (الزمر 42)، وقوله: {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار} (الأنعام 60)، وقوله: {حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون} (الأنعام 61) " أهـ.

وحياته عليه السلام بعد رفعه لا يلزم منها أن تكون كحياة من على الأرض في احتياجه إلى الطعام والشراب، وخضوعه للسنن والنواميس الكونية كسائر الأحياء، وإنما هي حياة خاصة عند الله عز وجل.

كما أن الآيات القرآنية قد دلت أيضاً على نزوله إلى الأرض في آخر الزمان، وذلك في ثلاثة مواضع من القرآن:

الأول: قوله –تعالى-: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا} (النساء 159) فقد دلت الآية على أنه ليس أحد من أهل الكتاب إلا وسيؤمن بعيسى عليه السلام عبداً لله ورسولاً من عنده، وذلك سيكون قبل موت عيسى، ومعلوم أن هذا لم يقع حتى الآن، مما يعني أنه مما سوف يقع فيما نستقبله من الزمان، لأن الآية جاءت في سياق تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه وتسليمه.

الثاني: قوله تعالى: {وإنه لعلم للساعة} (الزخرف 61) فإن الآيات قبلها كانت تتحدث عن عيسى عليه السلام، ولذا فإن الضمير في هذه الآية يعود إليه، فيكون خروجه من علامات الساعة وأماراتها، لأنه ينزل قبيل قيامها، ومما يدل على ذلك القراءة الأخرى {وإنه لَعَلَمٌ للساعة} بفتح العين واللام أي: علامة وأمارة، وهي مروية عن ابن عباس و مجاهد وغيرهما من أئمة التفسير.

الثالث: قوله تعالى: {ويكلم الناس في المهد وكهلا} (آل عمران 46) وفي هذا الآية عدد الله تعالى بعض خصائص عيسى ودلائل نبوته، فكان منها كلامه في المهد وهو رضيع، وكلام الرضيع من الخوارق الدالة على النبوة ولا شك، وذكر منها كلامه وهو كهل، والكهولة سن بداية ظهور الشيب، فما هو وجه كون كلامه وهو كهل من الآيات، والكلام من الكهل أمر مألوف معتاد؟! وكيف يحسن الإخبار به لا سيما في مقام البشارة؟! لا بد أن يكون المراد بهذا الخبر أن كلامه كهلاً سيكون آية ككلامه طفلاً، وهذه الحالة لم تقع فيما مضى من حياته التي كان فيها بين الناس لأنه رفع وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، فلم يبق إلا أن هذه الخصيصة ستتحقق فيما يستقبل من الزمان، ويكون المعنى أنه سيرفع إلى السماء قبل أن يكتهل، ثم ينزل فيبقى في الأرض أربعين سنة - كما ثبت في الحديث - إلى أن يكتهل، فيكلم الناس كهلاً كما كلمهم طفلاً، وتتحقق له هذه الآية والمعجزة التي أخبر الله عنها في كتابه.

حديث الآحاد حجة في العقائد والأحكام

هذا بالنسبة للآيات القرآنية، وأما الأحاديث، فهناك أحاديث كثيرة جداً في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها من دواوين السنة، كلها تدل دلالة صريحة على ثبوت نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان، وقد سبق شيء منها، منها أحاديث أجمعت الأمة على تلقيها بالقبول، فهي مفيدة لليقين حتى عند أهل البدع من أهل الكلام، الذين لا يحتجون بأخبار الآحاد في العقائد، ولا حجة لمن ردها بدعوى أنها أحاديث آحاد لا تقوم بها الحجة، وأن نزوله ليس عقيدة من عقائد المسلمين يجب الإيمان بها، لأنه إذا ثبت الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم – وجب الإيمان به، وتصديق ما أخبر به الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم –، ولا يجوز لنا رده بحال من الأحوال.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015