النصب هو أشد التعب. هذا كلام موسى ? أنه تعب. لما قال (آتنا غداءنا) تذكر الفتى. أُنظر كيف يعلمنا القرآن الرقة مع الناس: الفرق بين آتنا وأعطنا (سبق وذكرناها في وآتت كل واحدة منهن سكينا) في سورة يوسف ما قال أعطت. وقلنا أن الفرق بين آتى وأعطى: العين والألف والألف هو مجرد هواء يهتز معه الوتران فيكون ألفاً، العين حرف حلقي ومجهور يهتز معه الوتران وله مخرج معيّن فأقوى. فالعين أقوى من اللام ولذلك لما تكلم عن شيء قوي قال (إنا أعطيناك الكوثر) الكوثر شيء عظيم فاحتاج الحرف القوي لكن آتينا وآتنا فيها نوع من الرقة واللين. (آتنا غداءنا) مع أنه متعب لم يفقد أسلوب الرقة والمجاملة مع فتاه: كما يقول له يا ولدي إتنا بالطعام كلمة رقيقة.

الآن تذكر الفتى فقال (أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة) كلمة أرأيت صيغتها صيغة سؤال وحقيقتها تعجيب. يعجّبه من هذا الشيء. أرأيت إلى كذا؟ بمعنى إعجب من أمري. اللفظة أرأيت معناها هل نظرت لكن لا يعنيها بهذا المعنى لما يقول أرأيت لكن العرب تستعملها في موطن التعجيب لما يريد أن يعجّبك من شيء يقول أرأيت هذا الأمر يعني إعجب منه إنه شيء عجيب. مثل: (أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى) يعني ما أعجب هذا الأمر كيف ينهى عبداً عن الصلاة هو يصلي وينهاه عن عبادة الله عز وجل. فهي لفظة تعجب. الألفاظ لا تعطي دائماً معانيها المعجمية: (أرأيت الذي يكذب بالدين) عجيب أن يكذب بدين الله عز وجل؟. (أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة) لأنه سيذكر له أمراً عجباً. يقول له: إعجب من أمري وكيف نسيت لأن أمري يحتاج إلى تعجب. لما يقول ? في الحديث الشريف "فاظفر بذات الدين تربت يداك" تربت يداك في المعجم تعني تعفّرت يداك بالتراب ولكنها في الحديث لا تعني هذا وإنما يريد من هذا المعنى ربحت وفُزت. هذا الإستعمال ولذلك نقول دائماً أن الذي يحكم ليس اللفظة بمعناها المعجمي وإنما من داخل السياق. هو أراد أن يذكر لموسى ? أمراً عجباً فقال له (أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة) إحتميا بصخرة وناما. (فإني نسيت الحوت) هذا النسيان الحقيقي هو لم ينسى الحوت وإنما نسي أن يخبر موسى ? بأمر الحوت، فيها إختصار. هل كان الفتى يعلم أن العلامة ذهاب الحوت.؟ لا بد أنه أخبره بالأمر لأنه ما دام السفر طويلاً ولا يعلم مداه فلا بد أن يكون موسى ? قد أعلم فتاه بهذه الدلالة من دلالة قوله (أو أمضي حقبا) فأنت تستطيع أن تتخلى عني وتقول أن هذا الشرط لا أستطيعه.

(وما أنسانيهُ): في غير القرآن أو في غير هذه الرواية التي هي رواية حفص، نحن نعتمد القرّاء السبعة ولا نمنع من العشرة المتواترة وأكثر المسلمين على أن القرّاء العشرة قراءاتهم متواترة لكن قلة من الناس لا يميل إلى تواترها والجمهور مجمعون على السبعة. كل قارئ بروايين: عندنا 14 راوياً، 13 راوياً قرأوها (وما أنسانيهِ) بالكسر، فقط حفص قرأها (وما أنسانيهُ) بالضم. عاصم الذي هو قارئ حفص عنده راوي آخر هو شعبة فأقرأ شعبة (وما أنسانيهِ) وأقرأ حفصاً (وما أنسانيهُ) تدل على أن دقة هؤلاء القرّاء أنهم كانوا ينقلون ما يسمعون من جمهور العرب. فعاصم سمع من قبائل كثيرة من العرب (أنسانيهِ) وسمع من قبائل كثيرة من العرب (أنسانيهُ) فلا يستطيع أن يرجّح فقرأ لهذا هكذا وقرأ لهذا هكذا. بعض العرب قرأ بهذه وبعض العرب قرأ بهذه. وكلتا القراءتين بموافقة رسول الله ? أو بقراءته المباشرة بأمر من ربه سبحانه وتعالى. القراءات ليست من عند رسول الله ? التي هي الأحرف وإنما هي سُنّة متّبعة عن الله تعالى قرأ بها جبريل أو أذن بها جبريل عن الله سبحانه وتعالى قرئت بين يدي رسول الله ? فأُذن له بأمر من ربه جلّت قدرته. القبائل قالت أنسانيهُ. أنسانيهِ: عندنا الضمير مبني والبناء لزوم حركة أو سكوناً. معنى مبني يعني كأنه جدار مبني لا مجال فيه للتحرك. لا يوجد مبني على صورتين وإلا يكون معرباً، طالما وجدت حركتين يعني يُعرب. هذا الضمير (هاء الغائب) لما يكون ما قبلها ساكناً نقول (هذا مِنْهُ) فهو مضموم، لما يكون ما قبلها مفتوحاً يضم (الكتاب لَهُ)، لما يكون ما قبلها مضموم يضم (كتبتُهُ). لما يسكن ما قبله أو يفتح أو يضم يكون مضموماً معناه مبني على الضم. لكن الإنتقال من الكسرة إلى الضمة ثقيلة (بِِهُ) (فخسفنا بهِ وبداره الأرض) لما تقرأها بالضم (بِهُ)

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015