2 - الانطلاق من المشتركات:

يجمع الإيمان بوحدة أصل الأديان السماوية أتباع هذه الأديان، ويمكن أن يكون ذلك أساسا لحوار جاد وهادف بينهم، حيث يوفر ذلك أرضية مشتركة للجميع للانطلاق، ومن هنا كان من أصول الحوار في القرآن الكريم أن يبدأ المحاور المسلم حواره مع غير المسلمين، خاصة أهل الكتاب منهم، من النقاط المشتركة التي عبر عنها التنزيل بـ"كلمة سواء"، قال تعالى: ?قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء? [33] ولا شك أن تحديد النقاط المشتركة بين المتحاورين منذ البداية والبدء بها يساعد على تشخيص نقاط الخلاف وتحرير محل النزاع، ومن ثم محاولة معالجتها بروية وتدرج.

كما أن العناية بالمشتركات يسهم في تقليل الفجوة بين طرفي الحوار أو أطرافها، وتزيد من فرص التلاقي ودرك كل طرف لما لدى الطرف الآخر، كما أن من شأن البدء بالنقاط المشتركة إزالة سوء التفاهم بين الطرفين أو الأطراف حول بعض النقاط التي لا يوجد عليها خلاف في الأصل، ولكن نظرا لعدم تحديد موقف كل طرف منها منذ البداية تعرقل سير الحوار، وتمنع وضوح الرؤية وتؤثر على قضايا أخرى في الحوار.

كما أنه لا يمكن إغفال التأثير الإيجابي للانطلاق من النقاط المشتركة على نفسيات المتحاورين والهدوء الذهني والفكري الذي يتمتعون به إذا ما بدءوا حوارهم في جو من الهدوء بدلا من أجواء يسودها التوتر النفسي والذهني منذ البداية.

والكلمة السواء التي ذكرها القرآن قد فسرت بأنها ما لا يختلف فيه الرسل والكتب، أي القرآن والتوراة والإنجيل [34]، ويفسرها ما بعدها، وهي عدم عبادة غير الله وعدم جعل الشريك له تعالى، وعدم اتباع البشر كائنا من كانوا فيما أحدثوا من تحليل وتحريم [35].

والجميع يقف أمام كلمة سواء على مستوى واحد، فلا يعلو أحد على أحد، ولا يتعبد أحد أحدا، وهي كلمة عدل كما قال الطبري [36]، ولا يرفض الدعوة إلى البدء من النقاط المشتركة إلا من كان متعنتا مفسدا لا يريد الرجوع إلى الحق القويم [37].

إن هذه الآية الكريمة تشكل أساسا وأصلا ثابتا للحوار بين المسلمين وأهل الكتاب من اليهود والنصارى، فهي تدعو الجميع، المسلمين واليهود والنصارى [38]، إلى الكلمة المتفق عليها بين جميع الأنبياء والرسل عليهم السلام، وليست مختصة بأحد دون الآخر، بل هي مشتركة بين الجميع، وهذا الموقف في منتهى العدل والإنصاف في الحوار والجدال.

3 - هيمنة القرآن الكريم على الكتب المنزلة السابقة:

إن الإيمان بكون القرآن مهيمنا على جميع الكتب المنزلة السابقة من الأصول الثابتة في الدين الإسلامي؛ لأن القرآن هو آخر كتاب أنزله الله تعالى لهداية البشر، وبه انتهت سلسلة الوحي وانقطع إرسال الرسل، ولمعرفة هذا الأصل المهم أثرها الواضح في قضية التعامل مع الآخر غير المسلم عموما، وفي مجال الحوار على وجه الخصوص، ويجب ألا يغيب هذا الأصل عن بال المحاور المسلم وهو يدخل غمار الحوار مع الآخر.

قال تعالى: ?وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً? [39].

فالقرآن الكريم أنزله الله تعالى بالحق أي بالصدق ولا كذب فيه، فهو مصدق ومؤتمن وشهيد وشاهد وأمين ورقيب وحاكم وحافظ لجميع الكتب السابقة على اختلاف عبارة مفسري السلف في بيان معنى الهيمنة [40].

وبما أن القرآن كتاب لا يصير منسوخا البتة، ولا يتطرق إليه التبديل والتحريف على ما قال تعالى: ?إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ? [41] و ?لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ? [42] فشهادته على أن التوراة والإنجيل والزبور حق وصدق - في الأصل قبل التحريف والتبديل - باقية أبدا، وبذلك حقيقة هذه الكتب تكون معلومة أبدا [43].

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015