9 - التعبير عن الأيام بجمع القلة (أيام) على وزن (أفعال) وهو من أوزان القلة، ووصفها بـ (معدودات) وهو يشعر بالقلة، مما يهون الصيام على النفس، قال ابن عاشور: ((والمراد بالأيام من قوله: {أَيَّامًا مَّعْدُودَ?تٍ} شهر رمضان عند جمهور المفسرين، وإنما عبر عن رمضان بـ (أيام) وهي جمع قلة، ووصف بـ (معدودات) وهي جمع قلة أيضاً؛ تهوينًا لأمره على المكلفين، والمعدودات كناية عن القلة؛ لأن الشيء القليل يعد عدًّا؛ ولذلك يقولون: الكثير لا يعد، ولأجل هذا اختير في وصف الجمع مجيئه في التأنيث على طريقة الجمع بألف وتاء وإن كان مجيئه على طريقة الجمع المكسر الذي فيه هاء تأنيث أكثر)).

هذه بعض الأساليب البلاغية التي جاءت لتسهم في تيسير عبادة الصيام على العباد وترغيبهم فيها ليستقبلوا أمر الله لهم بها عن رغبة واستجابة تامة، وفي الآيات أساليب أخرى بلاغية وتشريعية، ولعل فيما ذكر تحفيزًا على تتبع ما بقي.

وقد صرح الله عز وجل في آيات الصيام بتيسير هذه العبادة وجميع التكاليف بقوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ?للَّهُ بِكُمُ ?لْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ?لْعُسْرَ} وجاء التعبير بأسلوب المقابلة، حيث أُثبت أولاً إرادة اليسر، ونُفي بعدها إرادة العسر، مع أنه يمكن التعبير بغير أسلوب المقابلة كأسلوب القصر الذي هو في قوة جملتي إثبات ونفي، بحيث يقال: لا يريد الله بكم إلا اليسر، وفي هذا التعبير إثبات لإرادة اليسر ونفي لإرادة غيره وهو العسر، لكنه نفي مفهوم وليس بمنطوق، ولعل كون التكليف بما يظن أن فيه مشقة على العباد يوهم إرادة العسر جاء التعبير بأسلوب المقابلة لينفي صراحة أي توهم بإرادة العسر، وليكون إرادة اليسر مقصود ابتداءً ليكون تعليلاً للرخصة في إفطار المريض والمسافر، قال ابن عاشور: ((قوله: {وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ?لْعُسْرَ} نفي لضد اليسر، وقد كان يقوم مقام هاتين الجملتين جملةُ قصر نحو أن يقول: ما يريد بكم إلا اليسر، لكنه عُدل عن جملة القصر إلى جملتي إثبات ونفي؛ لأن المقصود ابتداءً هو جملة الإثبات؛ لتكون تعليلاً للرخصة، وجاءت بعدها جملة النفي تأكيدًا لها، ويجوز أن يكون قوله: {يُرِيدُ ?للَّهُ بِكُمُ ?لْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ?لْعُسْرَ} تعليلاً لجميع ما تقدم من قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ?لصِّيَامُ} إلى هنا، فيكون إيماء إلى أن مشروعية الصيام وإن كانت تلوح في صورة المشقة والعسر فإن في طيها من المصالح ما يدل على أن الله أراد بها اليسر)).

أسأل الله أن يرزقني وإياكم الفقه في دينه، وأن يعلمنا تأويل كتابه وحسن فهمه وتدبره، وأن يسددنا في القول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[24 Sep 2008, 01:34 م]ـ

شكر الله لأخينا العزيز الدكتور يوسف العليوي هذه اللفتات البلاغية الموفقة حول آيات الصيام في سورة البقرة، وما أجدر هذا القرآن ببذل المزيد من الجهود التي تقربه للناس ولا سيما جوانبه البلاغية التي ترتقي بذائقة القارئ والمستمع لتدبر القرآن والاقتراب من هدايته، واستشعار بيانه وسموه.

وأما ما كتبه زميلنا الدكتور عبدالعزيز العمار وفقه الله فتجده هنا:

- وقفاتٌ بلاغيةٌ مع آيات الصيام (1) ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?p=59723)

- وقفات بلاغية مع آيات الصيام (2) ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?p=60223)

وهناك وقفات بلاغية قيمة مع هذه الآيات لصديقنا الدكتور عويض بن حمود العطوي منشورة في موقع على هذا الرابط .. عويض العطوي ( http://www.alatwi.net/index.php)

كما صدر لفضيلة الشيخ الدكتور عبدالمحسن العسكر عدة دروس في تفسير آيات الصيام والجوانب البلاغية فيها، تجد خبره في ملتقى أهل التفسير هنا ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?p=60224) .

وليت أحد أعضاء الملتقى الناشطين يتفضل مشكوراً بالاطلاع على كل هذه الجهود ويقوم بترتيبها وجمعها بدون تكرار وإتاحتها للجميع هنا للاستفادة منها مستقبلاً في الدروس والمحاضرات في الأعوام المقبلة بإذن الله فالحاجة إليها مستمرة ومتجددة بتجدد شهر الصيام أعاده الله علينا جميعاً بكل خير.

والله الموفق سبحانه وتعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015