قول ثالث: عن أبي سعيد بن عوف قال: سمعت عبد اللّه بن الزبير يخطب الناس فقام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن الشفع والوتر؟ فقال: الشفع قول اللّه تعالى: {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه}، والوتر قوله تعالى: {ومن تأخر فلا إثم عليه} " أخرجه ابن أبي حاتم ". وفي الصحيحين: (إن للّه تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر) " أخرجه الشيخان عن أبي هريرة مرفوعاً ".

قول رابع: قال الحسن البصري: الخلق كلهم شفع ووتر، أقسم تعالى بخلقه وهو رواية عن مجاهد وقال ابن عباس: {والشفع والوتر} قال: اللّه وتر واحد، وأنتم شفع، ويقال: الشفع صلاة الغداة، والوتر صلاة المغرب.

قول خامس: عن مجاهد {والشفع والوتر} قال: الشفع الزوج، والوتر اللّه عزَّ وجلَّ " أخرجه ابن أبي حاتم "، وعنه: اللّه الوتر وخلقه الشفع الذكر والأنثى، وعنه: كل شيء خلقه اللّه شفع: السماء والأرض، والبر والبحر، والجن والإنس، والشمس والقمر، ونحو هذا، كقوله تعالى: {ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون} أي لتعلموا أن خالق الأزواج واحد.

قول سادس: قال الحسن: {والشفع والوتر} هو العدد منه شفع، ومنه وتر.

قول سابع: قال أبو العالية والربيع بن أنَس؛ هي الصلاة منها شفع كالرباعية والثنائية، ومنها وتر كالمغرب، فإنها ثلاث، وهي وتر النهار، وكذلك صلاة الوتر في آخر التهجد من الليل، ولم يجزم ابن جرير بشيء من الأقوال في الشفع والوتر.

وقوله تعالى: {والليل إذا يسر} قال ابن عباس: أي إذا ذهب، وقال مجاهد وأبو العالية {والليل إذا يسر}: إذا سار أي ذهب، ويحتمل إذا سار: أي أقبل، وهذا أنسب لأنه في مقابلة قوله: {والفجر} فإن الفجر هو إقبال النهار، وإدبار الليل، فإذا حمل قوله: {والليل إذا يسر} على إقباله كان قسماً بإقبال الليل وإدبار النهار وبالعكس، كقوله: {والليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفس}

وقال الضحّاك: {والليل إذا يسر} أي يجري، وقال عكرمة: {والليل إذا يسر} يعني ليلة جمع المزدلفة، وقوله تعالى: {هل في ذلك قسم لذي حجر} أي لذي عقل ولب وحجى، وإنما سمي العقل حجراً لأنه يمنع الإنسان من تعاطي ما لا يليق به من الأفعال والأقوال، وحجَر الحاكم على فلان إذا منعه التصرف، وهذا القسم هو بأوقات العبادة، وبنفس العبادة من حج وصلاة وغير ذلك من أنواع القرب، التي يتقرب إليه عباده المتقون المطيعون له، الخائفون منه، المتواضعون لديه"

وبالنظر في كلام بن كثير رحمه الله تعالى وكلام بن عثيمين أعلاه نجد أن أهل العلم يستفيد المتأخر ممن سبقه وأن أقوالهم مستندة إلى أدلة من القرآن أو السنة أو اللغة أو من أقوال من عاصر التنزيل أوأقوال من تتلمذ على من عاصر التنزيل، ولم نجد فيهم من يسفه أقوال السابقين أو يتهمه بالجهل أو التخليط وينسب لنفسه إدراك الحق وحده دون غيره من العلماء والمفسرين.

وفق الله الجميع لما فيه الخير

وصلى الله وسل وبارك على عبده ورسوله محمد

ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[01 Sep 2009, 04:11 م]ـ

وهذا كلام الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى:

"والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر.

القسم بهذه الأزمان من حيث إن بعضها دلائل بديع صنع الله وسعة قدرته فيما أوجد من نظام يظاهر بعضه بعضا، من ذلك وقت الفجر الجامع بين انتهاء ظلمة الليل وابتداء نور النهار، ووقت الليل الذي تمخضت فيه الظلمة، وهي مع ذلك أوقات لأفعال من البر وعبادة الله وحده، مثل الليالي العشر، والليالي الشفع، والليالي الوتر.

والمقصود من هذا القسم تحقيق المقسم عليه ; لأن القسم في الكلام من طرق تأكيد الخبر إذ القسم إشهاد المقسم ربه على ما تضمنه كلامه.

وقسم الله تعالى متمحض لقصد التأكيد.

والكلام موجه إلى النبيء صلى الله عليه وسلم كما دل عليه قوله: ألم تر كيف فعل ربك بعاد وقوله: إن ربك لبالمرصاد.

ولذلك فالقسم تعريض بتحقيق حصول المقسم عليه بالنسبة للمنكرين.

والمقصد من تطويل القسم بأشياء، التشويق إلى المقسم عليه.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015