يقال في هذه كما قيل في سابقتها، وداود موثق وروى له مالك ولكن عن غير عكرمة،ثم تفرده بهذه الرواية عن عكرمة دون أصحاب عكرمة المكثرين عنه كعمر بن دينار وقتادة وخالد الحذاء وغيرهم.يجعلنا نحكم بنكارتها،بل هذا ابن معين والنسائي وغيرهما من أئمة الحديث قد استنكروا تفرد عمرو بن أبي عمرو الثقة المشهور بحديث عن عكرمة للعلة نفسها، ومن المعروف عند أهل الحديث أن داود يحدث بالمناكير عن عكرمة.قال ابن المديني:ما روى عن عكرمة فمنكر الحديث وقال أبوداود: أحاديثه عن عكرمة مناكير.

الوجه الثالث من طريق محمد بن سعد حدثني أبي حدثني عمي حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس.

الوجه الخامس: وذكر ابن كثير في تفسيره أنه روي من طريق العوفي عن ابن عباس بحوه.

قلت: الوجهان الثالث والخامس هما في الحقيقة طريق واحد،مسلسل بالضعفاء من العوفيين.

فمحمد بن سعيد:هو ابن محمد بن الحسن بن عطية بن سعد العوفي،نقل الخطيب عن الدارقطني قوله: لابأس به، ولكن الخطيب قال عنه:وكان ليناً في الحديث. تاريخ بغداد 3/ 268

الأب سعد: قال الإمام أحمد: لم يكن ممن يستأهل أن يكتب عنه،ولا كان موضعاً لذلك،ورماه بأنه جهمي. تاريخ بغداد 10/ 183

عمي هو:الحسين بن الحسن بن عطية بن سعد العوفي،ضعيف وقد ضعفه ابن معين وغيره. تاريخ بغداد 8/ 552،ميزان الاعتدال 1/ 532،سير أعلام النبلاء 9/ 395

أبي – الحسن بن عطية بن سعد العوفي -: قال ابن حبان في المجروحين 1/ 279:"من أهل الكوفة يروي عن أبيه،روى عنه ابنه محمد بن الحسن منكر الحديث،فلا أدري البلية في أحاديثه منه أو من أبيه أو منهما معاً، لأن أباه ليس بشيء في الحديث، وأكثر روايته عن أبيه،فمن هنا اشتبه أمره ووجب تركه." وانظر تهذيب الكمال6/ 211.

أبيه هو عطية بن سعد العوفي الكوفي،ضعفه هشيم بن بشير والثوري وأحمد ويحيى وأبوحاتم.وقال الدرقطني في العلل11/ 291:"وعطية مضطرب الحديث " وقال الحافظ:" صدوق يخطىء كثيراً وكان شيعياً مدلساً.

قلت: في ثبوت تدليسه نظر،وعلى كل فهو ضعيف مضطرب الحديث،ولم نجد هذه الرواية عند أكابر أصحاب ابن عباس كعطاء وكريب وعبيدالله بن عبدالله بن عتبة وطاووس،وحتى ابن جبير وعكرمة – لأنها لم تثبت عنهما- فدل على نكارتها عن عطية هذا.

الوجه الرابع: من طريق حجاج عن ابن جريج عن ابن عباس بنحوه.

ابن جريج:عبدالملك بن عبدالعزيز المكي لم يلق أحداً من الصحابة كما قال ابن المديني وغيره، بل لم يلق بعض أصحاب ابن عباس كابن جبير وعكرمة، ومع إمامته إلا أنه كثير الإرسال وحش التدليس فلا يدلس غالباً إلا فيما سمعه من مجروح، فالظاهر أنه سمعه من شيخه خصيف بن عبدالرحمن ودلسه.

وعلى كل فهذه الرواية منكرة لا يفرح بها.قال الإمام أحمد:"بعض هذه الأحاديث التي كان يرسلها ابن جريج أحاديث موضوعة " وقال أيضاً:"إذا قال ابن جريج: قال فلان،وقال فلان، وأُخبرت،جاء بمناكير، وإذا قال: أخبرني وسمعت فحسبك به.".

وفي نهاية المطاف أقول:قد تبين لنا أن هذا الأثر لايثبت عن ابن عباس من وجه يصح،فإنها منكرات وأخطاء، لا أصول لها،وقد يُقال – كما قد قيل – بأن هذه الطرق والوجوه يقوي بعضها بعضاً،

فأقول:الذي عليه أئمة الحديث،ومشايخنا المتقنين الحفاظ – مع تباين أوطانهم وتنوع شيوخهم -:أنه ليس كل ضعيف ينجبر ضعفه بمجيئه من طريق آخر. وهذه الجمله يرددها الكثير نظرياً، ولكن عند التطبيق يقع فيما يعيب، لعدم معرفته لما يقبل في الشواهد والمتابعات،وهذا بدهي، فإن الممارسة مع التلقي عن المتقنين شيء، والأخذ من بطون الكتب والارتجال في العلم شيء آخر.

قال الإمام أحمد كما في مسائل ابن هاني 2/ 167 لمن سأله عن كتابة الحديث المنكر:" المنكر أبداً منكر، قيل له فالضعفاء؟ قال:قد يحتاج إليهم في وقت " كأنه لم ير بالكتاب عنهم بأساً " أهـ

وقد ذكرت بعض النقولات في هذا الموضوع عند تخريجي للمسلسل بالآخرية، في الطبعة الثانية من ثبت شيخنا العلامة المحدث أحمد بن يحيى النجمي "اللألىء الدرية "

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015