الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)} , لكن لدي وقفة مع قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)} هذه الآية أتت لإزالة لبس وإشكال وقع فيه الصحابة -رضوان الله عليهم - لما أرادوا أن يسعوا بين الصفا والمروة تحرجوا , لأنه كان عليهما صنمان -إسافا و نائلة- , فخشوا أن يطوفوا بين صنمين , فتحرجوا من ذلك فأنزل الله هذه الآية ليقول لهم أن لا حرج عليهم في ذلك لأن الصفا والمروة من شعائر الله وليست من شعائر الجاهلية , وهذا يبين لنا أهمية معرفة أسباب النزول لفهم الآية , لأن هذه الآية أشكلت على عروة بن الزبير - رضي الله عنه - فقال: كيف يقول الله فلا جناح أن يطوف بهما والطواف بينهما من أركان الحج يذكر هذا لأم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - فقالت له: ليست كما تقول يا ابن أختي وذكرت له السبب فلما ذكرت له السبب زال الإشكال.

الدكتور مساعد الطيار: بمناسبة ذكر أسباب النزول فالشيخ خالد المزيني قدم رسالة الدكتوراه باسم المحرف في أسباب النزول من الكتب التسعة , وهي رسالة نافعة.

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)} هذه قد يقع فيها سؤال ما نوع الشيء المكتوم , فلو سألك أحدا سؤال ولم تجبه وهو يعلم أنك تعلم ولكنك لم تجبه فقد يستشهد بهذه الآية عليك , فمتى يكون معنى هذه الآية متحقق.

الدكتور محمد الخضيري: أقول والله أعلم متى كان المسئول عنه من البينات والهدى التي أُمر أهل العلم أن يبينوها للناس فإن كتمانها يحرم ما لم تكن هناك مفسدة في بيانها , لأن أبو هريرة- رضي الله عنه - قال: (حفظت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعائين من العلم , أما أحدهما فبثثته في الناس , وأما الآخر لو بثثته لقطع مني هذا الحلقوم) قالوا أنه كان يقصد بذلك بعض الأحاديث التي رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم - فيما يتعلق بأخبار المستقبل والفتن , لذلك كان أبو هريرة يقول اللهم إني أعوذ بك من إمرة الصبيان وبلوغ الستين , قالوا كأنه يشير إلى إمارة يزيد بن معاوية أو شيء من هذا القبيل , وهذا يدل على أنه كان عنده علم عن هذا الذي سيحصل وتوفي في سنة 59 أو 57 على اختلاف بين المؤرخين في هذا الباب.

الدكتور مساعد الطيار: قصدت من هذا أنه قد تكون الإجابة عن قضية ما فرض عين , فليس الجواب محصور في عالم ما , فعندما يتوقف أحد العلماء عن البيان في مسألة ما لا يعتبر كاتم , لأن العلم ليس مكتوما في علماء الأمة الآخرين.

الدكتور محمد الخضيري: لكن الوعيد في الآية خطير جدا على كل مسلم وبالمناسبة هذه الآية ليست خاصة بأهل العلم , فهناك أشياء قد يظن أنها مخصوصة بأناس والحقيقة أنه عند التحقيق في نصوصها الواردة في الكتاب والسنة نجد أنها ليست خاصة بهم بل هي عامة , فكل من علم شيء من الحق و وثق أنه من الحق وجب عليه تبليغه وحرم عليه كتمانه سواء كان من العلماء البارزين المشار إليهم بالبنان أو كان من طلبة العلم أو حتى من المثقفين و العامة لكنه يعلم أن هذه حق فيجب عليه أن يبينه ولا يستحى من الناس في بيان الحق - ولأن الشيء بالشيء يذكر - على قضية أن بعض الأمور تفهم أنها خاصة بالبعض وهي عامة , قضية القضاء مثلا وقوله صلى الله عليه وسلم: (قاضيان في النار وقاض في الجنة) , يفهم كثير من الناس أن هذا الحديث في القضاة , بينما هي في الحقيقة لكل أحد , فكل من قضى كالزوج بين زوجاته والأب بين أبناءه والمدرس بين طلابه والمدير بين موظفيه يدخلون في هذا , كنت عند أحد من القضاة فقال لي هل تدري أن مدير المدرسة أقرب إليه هذا الحديث مني , فأنا يأتيني في اليوم أربع خصوم , وهو لديه طوال اليوم أكثر من ذلك بكثير فلدية أكثر من 1700 طالب و 70 مدرس في المدرسة ,

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015