الدكتور محمد الخضيري:: طبعا لا تكاد تعرف عند سائر العلماء إلا باسم البقرة , لكن السؤال الذي يفرض نفسه لماذا اختيرت هذه القصة لتكون عنوانا لهذه السورة , هذا في الحقيقة مدعاة للسؤال , إذا قيل السورة الجامعة لم يكن بغريب , لو قيل كلية الشريعة ليس بغريب , لكن أن تختار هذه القصة لتكون عنوان هذه السورة العظيمة! هذه القصة أخذت من السورة عشر آيات فقط والباقي ليس له علاقة بهذه القصة.
الدكتور مساعد الطيار:: وهذا من الغرائب كما ذكرنا في اللقاءات السابقة أنه إذا كان الاسم نبويا , فعلى المسلم أن يبحث عن الحكمة.
الدكتور عبد الرحمن الشهري:: البقرة ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي سماها.
الدكتور مساعد الطيار:: نعم قال: (اقرؤوا الزهراوين؛ البقرة وآل عمران) , والحقيقة تأملت هذه السورة وسبب هذه التسمية وقرأت ما ذكره بعض العلماء , فبعضهم يذكر أنها سميت سورة البقرة لأنه يذكر فيها اسم البقرة , هذا لا يختلف عليه اثنين , لكن لماذا اختير هذا الاسم دونا عن غيره , فنظرت فإذا كما ذكر بعض العلماء أنها مليئة بالشرائع , وهذه السورة من أوائل ما نزل في المدينة , والمدينة هي محط التشريعات من أوامر ونواهي , والمدينة كانت مليئة باليهود , واليهود إذا تأملنا حالهم نجدهم كما أخبرنا الله - سبحانه وتعالى - عنهم في قصة البقرة وكيف أنهم كانوا أصحاب تعنت لا يطيعوا الأوامر مباشرة , فموسى ابن عمران- عليه السلام - يقول لهم: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)} البقرة ,ثم بدءوا يجادلونه في وصف هذه البقرة فشددوا فشدد الله عليهم , فهذا يفيدنا بأن هذه الأوامر التي ستنزل عليكم اقبلوها واعملوا بها , بادروا بالتنفيذ ولا تكونوا كأصحاب البقرة تشددوا فيشدد الله عليكم.
الدكتور محمد الخضيري:: تتلكئوا فتعاندوا رسول الله ولا يكون عندكم السمع والطاعة وسرعة الاستجابة التي هي أليق ما يكون بالمؤمنين و مما يدل على هذا ويؤكد المعنى الذي ذكرته أنه في آخر السورة ماذا قال: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} البقرة , لم يكتفوا بقول سمعنا وأطعنا بل قالوا غفرانك ربنا , لأن العبد قد يقصر أو يحدث منه تأخر أو يصيبه شيء من التلكؤ , فغفرانك على شيء يحدث لا نشعر به أو لا اختيار لنا فيه أو لا قدرة لنا على دفعه, ولذلك لما نزلت الآية التي قبلها وهي قوله تعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)} البقرة , جاء الصحابة يشتكون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا يا رسول الله: لا طاقة لنا بهذا قال: أتريدون أن تقولوا كما قالت بنو إسرائيل سمعنا وعصينا , بل قولوا سمعنا وأطعنا ,فأخذوا يستغفرون الله ويقولون غفرانك ربنا و إليك المصير , فنزلت الآية التي بعدها وكانت استجابة من الله سبحانه وتعالى لدعائهم فقال: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ .. (286)} البقرة.
الدكتور مساعد الطيار:: في فائدة أيضا نأخذها بناء على هذه الآية التي ذكرناها , وهي أن من تأمل حال الصحابة لا يكاد يجد اعتراض من صحابي على النبي صلى الله عليه وسلم أو تلكؤ في الاستجابة, إلا أن يكون تحت صدمة معينة, مثل ما حصل لهم في غزوة الحديبية , لم يتأخروا لأنهم لم يقبلوا من الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأمر ولكن كانوا في حالة من الاندهاش واليأس.
الدكتور محمد الخضيري:: كانوا يؤملون في العمرة يقولون لعل الأمر يتغير حتى نعتمر فقد جاؤوا سفرا طويلا وفي النهاية أمرهم بأن يرجعوا.
¥