قوله:"إياك نعبد وإياك نستعين" وهو موضوع العبادة التي بين العبد وبين الرب ,فالرب له إياك نعبد, والعبد له إياك نستعين ,وقدم حق الرب على حق العبد , فالرب له العبادة والعبد له الاستعانة , وقدم وتوحيد الألوهية على توحيد الربوبية , فهذا الموضوع الثاني ممكن أن نقول قضية العبادة , ولا تكون عبادة إلا باستعانة.
الدكتور محمد الخضيري: لو قلنا يا دكتور مساعد إن الموضوع الثاني هو التوحيد فالأول الثناء ثم يفضي بك هذا الثناء إلى أن توحد توحيدا عمليا فلا تعبد إلا الله ولا توحد إلا الله.
الدكتور مساعد الطيار: نعم , ثم نأتي إلى حال السالكين في هذه العبادة , أي من الذي يعبد الله واستعان ومن الذي لم يعبد ولم يستعين , فقال {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} الذين جانبوا هذه العبادة , لذلك يمكن تقسيم الموضوعات إلى ثلاث موضوعات كلية وهي موضوعات القرآن , جانب الثناء على الله عز وجل , وجانب العبودية التي لا تأتي إلا عن وحي , ثم جانب طرق الناس في هذه العبودية , فهذه الموضوعات الرئيسة , وكما ذكرتم قبل قليل الميثاق , كلها تصب في هذه الأصول الثلاث.
الدكتور محمد الخضيري: أنا أقول في الثالثة يا دكتور مساعد , أضيف تعديلا فأذن لي , لو قلنا بدل العبادة , وموقف الناس من العبادة لو قلنا العلم والعمل , والعمل هو ما أشرت إليه بالعبادة , لكن العلم مهم جدا , لماذا؟ لأن العبادة؛النصارى لم يقصروا في العبادة , ولكن قصروا في الجانب العلمي, وأما اليهود فكان الجانب العلمي مكتملا لكن قصروا في العمل , فنقول أن الثالثة هي البصيرة أو المنهج , فالصراط ما هو؟ هو العلم الصحيح والعمل الصالح , وقد ذكر نموذج مكتمل له وهو أهل الصراط المنعم عليهم الذين جاؤوا بالعلم الصحيح , فعرفوا الله حقا وعبدوه صدقا , و الثاني اليهود علموا الحق ولكنهم لم يعملوا به, والثالث النصارى وهم الذين عملوا واجتهدوا ولكن بلا بينة فهم على ضلال فتجافوا عن الصراط المستقيم , إذن عندنا صراط مستقيم يجمع علما وعملا , وصراطان ضالان منحرفان صراط المغضوب عليهم وصراط الضالين , ولذلك مما يؤكد هذا المعنى في نظري أنه في سورة البقرة جاء الحديث عن اليهود وقبل الحديث عن اليهود تحدثت السورة عن المنافقين وأسهبت في ذلك ليبين حال أولئك الذين يعلمون الحق ثم يتجافون عن العمل به , وفي سورة آل عمران جاء الحديث عن النصارى, فكأن السورتين أصبحتا تفصيل لقوله {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} , قال سفيان بن عيينة كلمة جميلة , وسفيان له استنباطات غاية في الروعة -سبحان الله - أتمنى أن يجمعها أحدا, يقول: [من ضل من علماءنا ففيه شبه من اليهود ,ومن ضل من عبادنا ففيه شبه من النصارى] , وهي كلمة عجيبة.
الدكتور مساعد الطيار: العلماء والعباد ,العلماء يعلمون ولا يعملون ,والعباد يعبدون ولا يعلمون.
الدكتور عبد الرحمن الشهري: عندي تعليقان لو تلاحظون سورة الفاتحة لم يذكر فيها المنافقين؟ ولكن ذكرت اليهود والنصارى؟
الدكتور مساعد الطيار:و هم يشبهونهم لأنهم علموا ولم يعملوا , ولهذا تجد - سبحان الله - أهل النفاق فيهم شبه من اليهود , و شبه كبير من هذا الجانب.
الدكتور عبد الرحمن الشهري: التعليق الثاني وهو عن سفيان بن عيينة , أذكر له موقف فيه استنباط جميل ,فعندما حدثه يحي بن أكثم وهو قاضي في عهد المأمون وذكر له قصة وهي معروفة و ذكرها القرطبي وغيره , يقول يحي بن أكثم: دخل على المأمون فيمن دخل رجل يهودي وكان حسن الخط , فقال له المأمون: إسرائيلي؟ قال:نعم , فقال: أسلم واصنع لك كذا وكذا , فقال: ديني يا أمير المؤمنين ودين أبائي, فتركه المأمون , وبعد فترة رجع فإذا به قد أسلم فسر المأمون له -والذي يروي القصة يحي بن أكثم - فسأله ماذا جرى لك؟ فقال يا أمير المؤمنين تعلم خطي وحسنه , عمدت إلى كتاب اليهود فكتبت منه وزدت فيه ونقصت وبعته على علماء اليهود فاحتفوا به وبالغوا في إكرامه , قال فتركتهم.
¥