ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[19 Sep 2008, 11:48 م]ـ

وهناك آية أخرى استدل بها على الإجماع، وضعف الاستدلال بها العلامة ابن عاشور رحمه الله.

وهي قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا}

قال بعد أن ذكر ملخص ما قاله أهل الأصول:

((والحق عندي أن الآية صريحة في أن الوصف المذكور فيها مدحٌ للأمة كلها لا لخصوص علمائها فلا معنى للاحتجاج بها من هاته الجهة على حجية الإجماع الذي هو من أحوال بعض الأمة لا من أحوال جميعها، فالوجه أن الآية دالة على حجية إجماع جميع الأمة فيما طريقه النقل للشريعة، وهو المعبر عنه بالتواتر وبما علم من الدين بالضرورة وهو اتفاق المسلمين على نسبة قول أو فعل أو صفة للنبيء (صلى الله عليه وسلم) مما هو تشريع مؤصل أو بيان مجمل مثل أعداد الصلوات والركعات وصفة الصلاة والحج ومثل نقل القرآن، وهذا من أحوال إثبات الشريعة، به فسرت المجملات وأسست الشريعة، وهذا هو الذي قالوا بكفر جاحد المجمع عليه منه، وهو الذي اعتبر فيه أبو بكر الباقلاني وفاق العوام واعتبر فيه غيره عدد التواتر، وهو الذي يصفه كثير من قدماء الأصوليين بأنه مقدم على الأدلة كلها.

وأما كون الآية دليلاً على حجية إجماع المجتهدين عن نظر واجتهاد فلا يؤخذ من الآية إلاَّ بأن يقال إن الآية يستأنس بها لذلك .... )).

قلت: قوله الأخير هو مرادي من النقل، لأن الاستئناس بالآية معناها أن دلالتها ظنية لا قطعية، فإذا انضمت إلى نصوص أخرى كثيرة ذات دلالة ظنية ارتقت دلالتها إلى القطعية.

ومع ما في كلام ابن عاشور من قوة إجمالا، إلا أنه لا يخفى ما فيه من ضعف في إدخال العوام في الاعتبار؛ لأن العقلاء متفقون على أن خلاف الجاهل لا يعتد به في أي مجال مطلقا، لا في الدنيا ولا في الدين، فإذا اتفق جميع علماء الأمة على قول فكيف يظن ظان أن الصواب يمكن أن يكون مع العامة دونهم؟

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[20 Sep 2008, 03:42 م]ـ

نفع الله بكما وبعلمكما، فما أجمل هذه المناقشات والفوائد والتأملات في الأدلة.

ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[21 Sep 2008, 07:53 ص]ـ

وما رأيكم لو تعودون إلى صلب الموضوع؟:)

وبودي، إضافة إلى الأدلة القرآنية، لو يذكر الإخوة الأفاضل إن كانت هناك أدلة أخرى من الأحاديث النبوية على حجية الإجماع.

جزاكم الله خيرا.

ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[21 Sep 2008, 10:48 م]ـ

وما رأيكم لو تعودون إلى صلب الموضوع؟:)

وبودي، إضافة إلى الأدلة القرآنية، لو يذكر الإخوة الأفاضل إن كانت هناك أدلة أخرى من الأحاديث النبوية على حجية الإجماع.

جزاكم الله خيرا.

وفقك الله وسدد خطاك، لو استطردنا في باب الأحاديث النبوية لخرج الموضوع عن نصابه وطال؛ لأن مجال الاستدلال فيه أوسع، ويمكن أن يقال إجمالا إن كل النصوص التي شيئا مما يلي يمكن أن يستدل بها في هذا الباب:

- النصوص التي تفيد عصمة الأمة.

- النصوص التي تفيد الأمر باتباع الجماعة وترك الشذوذ.

- النصوص التي تفيد بقاء طائفة من الأمة على الحق.

- إلخ إلخ

ومن الأحاديث الخفية في هذا الباب ما استدل به بعض العلماء، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤياكم قد تواطأت على السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر)، ووجه الدلالة منه أن توافق الصحابة في الرؤيا دليل صحة هذه الرؤيا، فمن باب أولى أن يكون توافقهم في الاجتهاد دليلا على صحة هذا الاجتهاد.

ومن هذا الباب أيضا قصة الأذان لما رآه عبد الله بن زيد ووافقه عمر بن الخطاب، فهذا التوافق دليل الصحة.

فالتوافق في الجملة يدل على الصحة والصواب، فكلما كثر التوافق زاد الاطمئنان إلى الحجية، وكلما قل التوافق قل الاطمئنان إلى الحجية، ولذلك لا ينظر عند البحث عن الإجماع إلى عدد المجمعين، ولكن ينظر إلى نسبة عدد القائلين في كل قول، فمثلا إذا قال مائة عالم بقول وخالفهم واحد، فقد يقال: لا يعتد بهذا الخلاف، ولكن إذا لم ينقل لنا إلا قول اثنين من العلماء في مسألة، فلا يمكن أن يقال حينئذ إنه لا يعتد بخلاف أحدهما.

ومن الأدلة أيضا على أن التوافق دليل الصحة حديث تميم الداري في قصة الجساسة في صحيح مسلم، لما فرح النبي صلى الله عليه وسلم بموافقته إياه، فلولا أن هذه الموافقة دليل صحة لما كان لفرحه صلى الله عليه وسلم معنى.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015