ونأتي الآن إلى آخر آية أحب أن أتريث عندها قليلا، وهي قوله تعالى: "وما يستوي البحران: هذا عذب فرات سائغ شرابه، وهذا ملح أجاج. ومن كل تأكلون لحما طريا، وتستخرجون حلية تلبسونها ... ". فما أكثر ما قرأت هذه الآية ولكن لم ألتفت إلى ما تنبهت إليه وأفزعني منذ فترة ليست بالبعيدة، وهو ما تؤكده الآية من أن الحلي تستخرج من النهر والبحر كليهما، إذ إن الذي كنت أعرفه حتى ذلك الوقت هو أن اللؤلؤ والمرجان (المذكورين في آية مشابهة في سورة "الرحمن") لا يوجدان إلى في البحار. وقفز السؤال إلى عقلي على الفور مفزعا: " أيمكن أن يكون القرآن قد أخطأ؟ ". إن هناك عدة آيات مشابهة في سورة "الرحمن"، ولكنها لا تثير أية مشاكل، فنصها هو: "مرج البحرين يلتقيان. بينهما برزخ لا يبغيان. فبأي آلاء ربكما تكذبان. يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان"، ومعناه أن اللؤلؤ والمرجان يخرجان من مجموع البحرين لا من كل منهما، كما تقول: " إن في يدي هاتين مائة جنيه "، ويكون المبلغ كله في اليد الأولى بينما الثانية خلو تماما من أي نقود، ولا تكون قد عدوت الحقيقة. أما آية سورة "فاطر" فإنها تقول بصريح العبارة: " ومن كل ... تستخرجون حلية تلبسونها ". ولم تسعفني ما عندي من تفاسير قديمة، فأخذت أقلب نظري في أرفف مكتبتي وأنا حائر ضائق، وإذا بي ألمح ترجمة يوسف علي للقرآن فأفتحها فأجد فيها شفاء نفسي، إذ يذكر المترجم رحمه الله (في تعليقه على هذه الآية في الهامش) من الحلي البحري اللؤلؤ والمرجان، ومن الحلي النهري العقيق وبرادة الذهب وغيرهما. ثم رجعت بعد ذلك إلى دائرة المعارف البريطانية (مادة Pearl ) و"المنتخب في تفسير القرآن الكريم " فوجدت أن اللؤلؤ يوجد أيضا في المياه العذبة. وكأن الكتاب الأخير يرد على حيرتي، إذ يقول: " وقد يستبعد بعض الناس أن تكون المياه العذبة مصدرا للحلي، ولكن العلم والواقع أثبتا غير ذلك. أما اللؤلؤ فإنه، كما يستخرج من أنواع معينة من البحر، يستخرج أيضا من أنواع معينة أخرى من الأنهار، فتوجد اللآلئ في المياه العذبة في إنجلترا وأسكتلندا وويلز وتشيكوسلوفاكيا واليابان ... إلخ، بالإضافة إلى مصايد اللؤلؤ البحرية المشهورة، ويدخل في ذلك ما تحمله المياه العذبة من المعادن العالية الصلادة كالماس، الذي يستخرج من رواسب الأنهار الجافة المعروفة باليرقة. ويوجد الياقوت كذلك في الرواسب النهرية في موجوك بالقرب من باندالاس في بروما العليا. أما في سيام وفي سيلان فيوجد الياقوت غالبا في الرواسب النهرية. ومن الأحجار شبه الكريمة التي تستعمل في الزينة حجر التوباز ويوجد في الرواسب النهرية في مواقع كثيرة منتشرة في البرازيل وروسيا (الأورال وسيبيريا) وهو فلورسيليكات الألمونيوم، ويغلب أن يكون أصفر أو بنيا. والزيركون CIRCON حجر كريم جذاب تتقارب خواصه من خواص الماس، ومعظم أنواعه الكريمة تستخرج من الرواسب النهرية". وحتي يقدر القارئ رد فعلي الأول حق قدره أذكر له أنه حتى بعض المترجمين الأوربيين في العصر الحديث قد استبعدوا أن تكون الأنهار مصدرا من مصادر الحلي. وقد تجلى هذا في ترجمتهم لهذه الآية، فمثلا نرى رودويل الإنجليزي يترجم الجزء الخاص بالحلي منها هكذا:

Yet from both ye eat fresh fish, and take forth for you ornaments to wear.

فعبارة " from both" تصلح لترجمة آية سورة "الرحمن" لا هذه الآية. كذلك ينقل رودي باريت هذه العبارة إلى الألمانية على النحو التالي:

" صلى الله عليه وسلمus beiden ebt ihr frishes feisch"

إلى هنا والترجمة صحيحة، هذه العبارة تقابل بالضبط قوله تعالى: "ومن كل تأكلون لحما طريا" وإن كان استخدم في مقابل طريا كلمة " frish" ومعناها الدقيق "طازج". لكن تنبه لترجمته للجزء الآتي الذي يقول فيه:

Und (aus dem Salzmeer) geurnnt ihr scmuck….. um ihm euch anzulegen.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015